"وطني هو اللغة الفرنسية" قالها توكفيل يوما معبرا بها عن الحس القومي الفرنسي الذي يكاد يكون احيانا حسا شوفينيا. وذلك رغم معلومة قد لايعرفها الكثيرون وهي ان اللغة الفرنسية التي نعرف لم تكن اللغة المعتمدة على كل الاراضي الفرنسية, وانما تدرّج توحيد اللغة مع اشتداد صلب الحس الوطني القومي.
اذكر هذه المقولة كلما تلقيت رسالة او قرأت بيانا او مقالا رسميا, وصفعتني فيه الاخطاء اللغوية الفاضحة. ولو اردنا ان نحصي لما وجدنا الى ذلك سبيلا. فكانما لغتنا اصبحت مستباحة كامتنا. واذ امتنع عن ذكر الاسماء, فانما اشير على سبيل المثال والمفارقة - لا الحصر ابدا - الى رسالتين تلقيتهما في الايام الاخيرة حول العروبة: الاولى في تبادل بيان بين واخوة ينظمون ندوة عن عروبة الخليج العربي والثانية بيان حول عروبة العراق.
ذهلت وانا اقع على اخطاء لغوية لم اكن لاسامح بها طلابي يوم كنت في التدريس الثانوي: من كتابة الهمزة, الى اسم وخبر الافعال الناقصة, الى تانيث وتذكير اسم العدد, بل الى ما هو ابسط من ذلك: رفع وجر المثنى. هذا دون ان نتحدث عن الصياغة وعن التشكيل. حيث عادت بي الذاكرة الى مشاركات في فعاليات ادبية عربية, تسفح فيها اللغة, كالبعوض,على مذبح حركاتها. مرات كثيرة كنت وزملاء اخرين (من الحرس القديم الذين لم يصبهم بعد مرض فقر الدم اللغوي) انسحب من جلسة نقدية او نقاشية لعدم القدرة على تحمل المجزرة التي ترتكب لدى قراءة ورقة مكتوبة (ولم نصل الى طموح صحة الارتجال الشفهي ) اذكر انني انسحبت مع الدكتور عبد العزيز الدوري من ندوة نقدية على هامش جائزة سلطان العويس التي تعتبر اهم جائزة ادبية عربية, ومرة ثانية انسحبت مع الدكتور خير الدين حسيب (الذي لم يمتلك نفسه من الصراخ معترضا) من ندوة في مركز دراسات الجزيرة في قطر.
علما بأن المتحدث في المثال الاول كان استاذا جامعيا خليجيا, وفي الثاني فلسطينيا وفي البيان المذكور عراقيا, وانسحابا على كل الدول العربية الاخرى.
صحيح ان المناهج التربوية والواقع الاجتماعي الديموغرافي يسجلان قصورا قياسيا في الخليج " العربي "لكن الوضع في سائر الدول المشرقية يتدهور في الاتجاه نفسه - ناهيك عن دول المغرب ومشكلتها التاريخية. وربما نكون نحن في دول مصر والهلال الخصيب الاكثر مسؤولية في هذا المضمار, لاننا لا نعاني من المشكلة السكانية الخليجية ولا من التاريخ المرير للمغرب. ولاننا نحن من اعاد احياء اللغة بعد حملة التتريك في بداية عصر النهضة. احياء اقترن باعادة احياء الروح القومية. الم يقل جبران بان اللغة هي روح الامة, وقتل الروح قتل للوجود.? فهل نتصدى للانقاذ ام ننجرف في السيل نحو بحر الموت?
العرب اليوم