يتركز اهتمام المسؤولين وصانعي القرار على كيفية احتواء , لا بل القضاء على الحراك الشعبي, من خلال الاعتقالات, والأهم من ذلك حملة تشويه سمعته, والسكوت على ظاهرة البلطجة العنفية, وفقا لوهم خاطئ قاتل, بأن الدولة تستطيع تمرير قرارات اقتصادية تزيد قسوة العيش, وتحويل الأنظار عن اختفاء ثروات الأردن ومقدراته, كأن الأزمة تكمن في الحراك وليس في مسبباته من تراكم للظلم وسياسات الإفقار.
على صناع القرار في الأردن, أن يركِّزوا سمعهم على آهات, مكبوتة ومهموسة, صادرة عن معاناة العاطلين عن العمل, من شقاء الأب الذي يحاول توفير رغيف الخبز اليومي وسط غلاء الأسعار, إلى قلق الأم على أولادها الموقوفين; هذه الآهات هي مقدمة الغضب الآتي الذي لن يرحم حينما ينطلق في صرخة مدَوية.
الحراك الشعبي, وحتى إن سلمنا بوجود أجندات سياسية ربما لا تحظى بإجماع شعبي أو حتى تأييد واسع, يبقى تعبيراً عن جزء يسير من حالة الاحتقان , والغضب, ورفض سياسة الإهانة والإذلال, التي مورست وتمارس يوميا, من أجل الحفاظ على منافع مالية معيشية, لا يستطيع حتى أن يتخيلها عامة الشعب, في حين تصارع العائلات, حتى في الطبقة الوسطى, من أجل تأمين مستقبل أبنائها.
لا نقول أن الحكومة لا تعي خطورة تداعيات رفع الأسعار, وإلا لما كانت قد اتخذت قرار تأجيل تنفيذ إجراءاتها, لكن "التأجيل" نفسه, يدل على مراهنة خاسرة, بأن الوضع قد يميل إلى التهدئة, مما يمَكِن الحكومة والأجهزة من تحجيم ردود الفعل عندما توضع القرارات حيز التنفيذ.
لا نفهم تماما سبب ال¯تأجيل, عوضاً عن مراجعة وتغيير مثل هذه الإجراءات , التي لن يحتملها جيب المواطن, والتي إن نُفِّذت, لن تجابه بالصمت, وعندها لن نستغرب إذا امتلأت الشوارع بحشود لم يسبق لها المشاركة في التظاهرات, أو أي شكل من أشكال الاحتجاج أو التعبير السياسي, إلا إذا كانت الحكومة تملك حلاً سحرياً يجعل من الممكن رفع تسعيرة الكهرباء والسلع وكسب التأييد الشعبي في آن!
نشك, في أن قرار التأجيل له علاقة بخطة اجتماعية سياسية تخدم المواطن, وإن كنت دائما أتمنى أن تثبت الحكومات الأردنية خطأ شكوكنا, فقد تعدونا دائما أن تقوم أجهزة الدولة, لسبب غريب وغير منطقي, بأعمال وتتخذ مواقف, تعمل على تأزيم عدة ملفات حساسة في وقت واحد , أو على التتالي.
بكل صراحة, فان سلسلة الخطوات بدءاً من الإعلان عن قرارات رفع الأسعار, والتلاعب السياسي في ملف شركة الفوسفات في مجلس النواب, يليها مباشرة قمع اعتصام للعاطلين عن العمل واعتقال عدد من ناشطي حراك الطفيلة السلمي(وكلها في فترة زمنية قصيرة) كانت بمثابة "الخطة الأكثر عبقرية " للتحشيد والتحريض الجماهيري على الحكومة لا يوازيها في التأثير شعارات الحراك , حتى عندما تتجاوز كل السقوف والخطوط الصفر والحمر.
المسألة التي لا يستطيع , أو لا يريد فهمها صناع القرار, أن الشعب لا يصدق أن أي إجراءات قمعية كانت, أو اقتصادية "تقشفية" , هي إفرازات للأزمة الاقتصادية العالمية , ولما كان يتردد دائماً, عن شح الموارد الطبيعية للبلاد هذه الحجج ,وإن كان فيها شيء من الصحة لم تعد تلاقي رواجا أو تفهماً, ليس بعد بيع ثروات الوطن والتصرف بها كمصدر إثراء لحلقة ضيقة جداً من المتنفذين.
فمن غير الواقعي أن تنتظر الحكومة من الشعب تحمل تدهور الأوضاع المعيشية, بينما تتبخر أموال خيالية في صفقات بيع, وهمية كانت أم حقيقية (لكنها مثلت في جميع الأحوال سرقة وطن) دفع, ويدفع, وسيدفع الشعب الأردني من جيبه وقوته ودمه ثمنها لسنوات وعقود.
إذ يقدر بعض الاقتصاديين الأموال التي يتوجب استردادها من مالكي شركة الفوسفات وحدها بحوالي 700 مليون دولار, ولذا على صانعي القرار في الأردن التخلي عن الأوهام والتوقع أن يقبل المواطن الآن أو بعد شهر أن يفرض عليه دفع فاتورة النهب والسلب من حياته ومستقبله, فلم يبقَ من خيار لصناع القرار سوى إعادة النظر في خطة فاشلة أو الاستعداد للغضب المقبل.
العرب اليوم