العنف الذي شهدته عواصم غريبة منذ خمسين عاماً على يد "أنظمة العسكر" نعيشه, اليوم, متمثلاً في اقتحام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التونسية لإذاعة القرآن, وخلع مديرتها ل¯"عدم أهليتها", ونحن بانتظار عنف أكبر لا محالة.
يفرض ذلك تشابه البنية التي أسست عليها الأنظمة العربية في منتصف القرن الماضي, وتلك التي تحكم سلوك ومواقف القوى الدينية الصاعدة الآن.
الأنظمة التي جاءت بها ثورات وانقلابات عسكرية كانت تدعو إلى الخلاص من حكم الفئات البرجوازية المرتبطة بالغرب حتى تتمكن الشعوب من النهوض بمقدراتها.
"مقدرات" استحوذت عليها جمهوريات الثورات بالفساد والاستبداد وحتى بتقديم نفسها بديلاً مناسباً يمكن للغرب التعامل معه, وبالتالي استمرار التبعية الاقتصادية له.
السلوك ذاته تتبعه تيارات الإسلام السياسي, فهي تدعو إلى الخلاص من "الأنظمة المستبدة", باسم الديمقراطية والحرية, لكنها تقدّم نفسها "بديلاً مناسباً" يتيح لها التحالف مع الغرب وإدامة مصالحه في المنطقة.
لدينا ثلاثة نماذج واضحة لعلاقة القوى الدينية بالدولة العربية; النموذج الأول ترعاه الدولة ذاتها, والثاني في بلدان تعيش انتفاضات شعبية مثل مصر وتونس التي وافقتا, مؤخراً, على ترخيص هيئة للأمر بالمعروف.
النموذج الثالث تعيشه دول عربية لم تشهد "التغيير الديمقراطي" بعد, فنشهد "صداماً" بين القوى الدينية والسلطة, أو"تنافساً" أو"تحالفاً" أحياناً أخرى.
عوامل متشابكة ومتعددة تؤجج متتالية الود والخصام بين السلطة والتيارات الدينية, لكن أبرزها يتعلق بوجود منافس ثالث (قومي, يساري, ليبرالي) يمكن التحالف ضده أو إعادة "التموضع" في غيابه, ولذلك يقدّر كل طرف أهمية الآخر, حسب المرحلة وظروفها.
وخلافاً لذلك, فإن الطرفين يملكان رواية واحدة حول تأسيسهما, وحول "مثالية" سلطتهما وشرعيتها المقامة أو المنتظرة, بل لديهما ايضاً الرواية ذاتها عن التاريخ منذ نشأة الإنسان وحتى اللحظة!
"الممنوعات" التي حرمت منها الشعوب العربية باسم الحفاظ على سيادة البلد, وفي سبيل مواجهة أعداء الأمة ستتبدل بـ "ممنوعات" باسم الحفاظ على الدين, ومواجهة أعداء الأمة طبعاً.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم