الشارع الأردني والثورة السورية
محمد حسن التل
11-03-2012 02:31 AM
تقترب الثورة السورية من نهاية عامها الأول، في مسيرة اقترنت بالدم والقتل والتشريد والدمار، من قبل نظام يرفض الحوار مع شعبه، أو بالأحرى، هو لا يعترف بإنسانية هذا الشعب، وحقه في الحياة الكريمة، ويقوم باللعب على جراح هذا الشعب، من خلال حركات تجميلية لوجه بشع، كإصدار دستور جديد مُتردٍّ، وعفو عام صوري، وإجراء استفتاءات تحت وقع القتل ولهيب النار.
بأبي ذلك الطفل الذي صرخ منذ يومين في شوارع حمص، والتقطته شاشات الفضائيات وهو يقول بأعلى صوته: (ميشااااااان الله ارحمونا)، وهو بذلك يخاطب أمَّته والعالم، وكأني به يقرعهم على صمتهم المشبوه إزاء ما يحدث لأهل الشام، وقد فقد أهله جراء القصف المجنون على حمص، وشقيقاتها على باقي الأرض السورية، التي ما كانت يوماً إلا ملجأ لأمَّتها، قبل أن تُبتلى بنظام لا يعترف بحرية ولا بكرامة ولا بعدل ولا مساواة.
منذ أكثر من شهر، يلاحظ المراقب ارتفاع وتيرة القتل والتدمير من قبل النظام في دمشق، وكأنه يشعر أن نهايته اقتربت، فيريد أن ينتقم من السوريين بأبشع صورة ممكنة عقاباً لهم على خروجهم عليه!
ومع تصاعد وتيرة القتل في سورية تتصاعد حدَّة التعاطف مع الشعب السوري المنكوب بنظامه، وبالذات في شارعنا الأردني، الذي باتت غالبيته العظمى تقف موقفاً واضحاً إزاء ما يجري على أرض الشام، رفضاً للمذابح التي يتعرض لها الأشقاء السوريون، وعمليات الإعدام التي لا تفرِّق بين كبير أو صغير أو رجل أو إمرأة، وما حدث في مسيرة الجمعة الماضية، أحد الأدلة الواضحة على موقف الشعب الأردني، ضد المجازر التي تُرتكب بحق شعب عربي مسلم أعزل، من قبل طغمة لا تعرف معنى إنسانية الشعوب، وحقها في الحياة والعدل والحرية.
ولا شكّ أن المجموعات التي كانت تؤيد نظام الأسد، أصبحت بتراجع كبير أمام الضغط الشعبي المتعاظم عاطفة وموقفا مع الشعب السوري الشقيق.
وقد انقسمت هذه المجموعات منذ البداية إلى قسمين، الأول أولئك المرتبطون بمصالح مع دوائر النظام السوري، والثاني أولئك الذين يعتبرون نظام الأسد نظام ممانعة ومقاومة، وهنا لا نفهم كيف استطاع هذا النظام اقناع هؤلاء بأنه نظام مقاومة وممانعة؟ فبجردة حساب صغيرة وبسيطة، يتبيّن للمراقب أن هذا النظام لم يكن يوماً نظام ممانعة ومقاومة، فكيف يكون ممانعاً وقد كان أول الذاهبين إلى حفر الباطن؟ وكيف يكون مقاوماً، وقد كان أيضاً أول الذاهبين إلى مدريد وإلى واشنطن (لقاءات الشرع وباراك) إبان إدارة كلينتون للبيت الأبيض؟ وقبل اندلاع الثورة الشعبية في سوريا بمدة قصيرة كان يفاوض الإسرائيليين في أنقرة.
أما قصة المقاومة، فقد وقف النظام السوري مع حزب الله الذي يرفع «يافطة المقاومة»، من منظور مصلحي وربما مذهبي، ليزيد عبثه في الوضع اللبناني، وأما احتضانه للقيادات الفلسطينية المعارضة للسلطة الوطنية، فقد كان أيضاً من باب مصلحته، ومن باب زيادة أوراق اللعب في يده، وفي أول المنعطف الذي شكلته الثورة الشعبية في سوريا، كشف عن وجهه وطالب هذه القيادات بموقف واضح إلى جانبه، الأمر الذي أوجد القطيعة بين الطرفين.
نعتقد جازمين أن من يبرر جرائم النظام في سوريا، ربما لا تقلُّ جريمته عن جريمة هذا النظام، فالسكوت عن الدم جريمة، ليس فقط من الناحية الشرعية، بل جريمة بحق القومية، وكل الأعراف الإنسانية.
السوريون لا يطلبون المستحيل، فهم يطالبون بحقوقهم في الحرية والكرامة والتعددية، وهذه أمور مشروعة بكل القيم السماوية والوضعية.
إذا كان نظام الأسد يدعي أنه على رأس نظام مقاومة وممانعة، ألا يتفق ذلك أيضاً مع وجوب قيامه باحترام شعبه بمطالبته بحقوقه المشروعة؟! من يدعي أنه مقاوم وممانع، عليه أن يغرس قبل أي شيء في شعبه قيم العدالة والحرية، حتى يستطيع هذا الشعب الوقوف خلفه في مشروعه، ولكن ما يحدث في سوريا، لا يشير من قريب أو من بعيد إلى صدقية ادعاء هذا النظام، الذي عاث في الشام من حلب إلى درعا قتلاً وتدميراً وتشريداً.
القائمون على النظام في دمشق، يراهنون على جزء من الموقف الدولي الداعم لهم، والمتمثل في الصين وروسيا وإيران، وهذه الدول تخاطب مصالحها في مواقفها، لا أكثر ولا أقل، فروسيا والصين تتصارعان مع أميركا والغرب صراع إرادات في منطقتنا، وهما تعلمان ومقتنعتان مرحليا، وخصوصاً روسيا، أن استمرار وجود نظام الأسد يخدم مصالحهما في هذا الصراع، وفي السياسة لا يوجد مواقف ثابتة، وما حدث للموقف الروسي في العراق دليل على ذلك.
الروس يقولون ان موقفهم مما يحدث في سوريا ليس وقوفا مع النظام هناك، بمقدار ما هو احترام للقانون الدولي بعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية.. وهنا نقول للروس اين كان هذا الموقف باحترام القانون الدولي مما حدث في العراق، وحينما اجتاحوا هم افغانستان، وحينما دمروا جمهوريات البلقان المسلمة.. واين هم من القانون الدولي مما ترتكبه اسرائيل من مجازر في فلسطين.
أما إيران فموقفها من النظام السوري، يأتي من خلال اعتبارها أن هذا النظام أصبح البوابة السياسية الوحيدة، التي تمكنها من الولوج إلى المنطقة، ومحاولة العبث في هذه المنطقة من خلال تحالفها مع النظام السوري المرتبط بها مذهبياً، ، كنا نتمنى ألاّ تصل الأمور في العلاقات بين العرب والمسلمين إلى هذا الدرك من التمترس، وإيران دولة غير مرغوب بها عند معظم شعوب المنطقة، لما تقوم به من محاولة خلط للأوراق، في أكثر من دولة عربية، ومحاولة تسخير بعض الأخوة العرب من أصحاب المذهب الشيعي لخدمة مشروعها المشبوه في المنطقة.
وللتاريخ، إن (النمردة والعربدة) الإيرانية لم تظهرا بهذا الجلاء والوضوح، إلا بعد احتلال العراق وإسقاط نظامه، حيث كان لإيران اليد الطولى في هذه القصة التي سيحكم عليها التاريخ آجلاً أم عاجلاً، حيث كان العراق يمثل عامل ردع قوي للمشروع الإيراني في الوطن العربي، وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت القيادة الإيرانية تقف إلى جانب المشروع الأميركي- الإسرائيلي في إسقاط واحتلال العراق.
نسمع أصواتا هنا وهناك، وآراء تدعي أن البديل عن نظام الأسد في سوريا دماء وتقسيم، ويقصد هؤلاء كمن فرّ من (تحت المطر إلى تحت المزراب!!)، هل كُتب على الشعب السوري أن يختار بين الأسوأين؟!!
إما القبول بنظام الديكتاتور، أو شبح التقسيم والفوضى، ولا يتحدث أي من هؤلاء عن عظمة الشعب السوري ووحدته الأبدية.
لقد مرَّ على سوريا ما لم يمر على غيرها من احتلالات، منذ هولاكو والصليبيين والفرنسيين، وبقي السوريون يداً واحدة، وهزموا كل أولئك الجبابرة بإيمانهم ووحدتهم وثباتهم على أرضهم، فمن الظلم، بل ومن السخرية أيضا، أن نسمع مقولة «إما الأسد ونظامه وإما الخراب»... الشام غير قابلة للخراب ولا للتقسيم، ولا يعنينا مشارب المعارضة المختلفة وتوجهاتها. ومن قال أصلاً أن فرسان المعارضة المتواجدين في دول الغرب، والذين يطلون علينا في اليوم عشرات المرات من خلال الفضائيات، هم الذين سيحكمون سوريا بعد انتصار الثورة بإذن الله تعالى.
السوريون سيختارون طريقة حكمهم بأنفسهم، ولن يسمحوا لأي أجندة تُفرض عليهم من الخارج.
الشام الشريف بانتظار عهد جديد، كله أمل وحرية وديمقراطية وعدالة، يليق بشعبها وعظمته وصبره، الذي حُكم بالحديد والنار ما يقارب النصف قرن، والذي تقف الآن خلفه كل الشعوب العربية، لتحقيق مطامحه في حياة أفضل.
الدستور