في تقرير سرّي وعاجل لوكالة "ريد" الاستخبارية حطّ على مكتب زعيم طائفة "الكونستركترز"، وهي طائفة تعيش وسط إقليم شرقي ساخن، قال بأن عناصر متطرفة من أبناء الطائفة بدأت تطفو إلى السطح مؤخراً، وأخذت تحشد من أجل تغيير سياسة العمل التي انتهجها زعيمها القديم الجديد، احتجاجاً على ما أسموه انتقائية غير مبررة في تقديم حزمة تنازلات لرموز مقرّبة لم تسهم إلاّ بتخريب منجزات الطائفة وتهديد تضامنها ووحدتها التاريخية، عبر افتعال أزمات ووضع عثرات في طريق التغيير الإيجابي المنسجم مع تطلعات غالبية أبناء الطائفة والمُلبّي لطموحاتهم، بما أدّى إلى ضرب مصالحهم والقضاء على أحلامهم..!

وشدّد التقرير على ضرورة العمل على وضع حدّ لسطوة هؤلاء الرموز ووقف انتشارهم السرطاني في مفاصل الحياة الرئيسة ومواقع التأثير على القرار وصناعته، وإلاّ فإن حالة من الفلتان سوف تحدث مُنذرة بعواقب غير محمودة تُهدّد مستقبل الطائفة بكل مكوناتها ومصالحها وأجيالها، وقد تقود إلى تدخلات طائفية خارجية ذات أطماع ومصالح لدى "الكونستركترز"..!!

وما أن قرأ الزعيم التقرير حتى جمع عدداً من مستشاريه وأعوانه، طالباً المشورة والرأي، ولكن أحداً منهم لم يقل سوى أن ما جاء في التقرير محض خيال، وأن وحدة الطائفة أمر لا نزاع فيه، وأن العناصر المتمردة ما هي إلاّ أضغاث أحلام وأوهام، وطالبوا بضرورة إقالة رئيس وكالة "ريد" لتقديمه تقريراً مغرّراً، ليس للمعلومات الواردة فيه والنتائج والتحليلات التي خلص إليها أساس من الصحة، خصوصاً وأن المرحلة السابقة شهدت تنافساً بين جماعات عديدة من أبناء الطائفة على تقديم ولاءات منقطعة النظير للزعيم، أيّدت فيه مساعيه في خدمة الطائفة وباركت إنجازاته الخلاّقة، وزعامته الملهمة..!

وقد اقتنع الزعيم بنصيحة الأعوان والمستشارين، وأقال رئيس وكالته الاستخبارية، موكلاً هذه المهمة إلى شخص سياسي ذي جذور أمنية معروفة، تم ترشيحه من مقربين في ديوان الزعيم، ومنحه صلاحيات واسعة، طالباً منه التنسيق الكامل مع مستشاريه ورئيس جهازه التنفيذي الجديد الذي جاء للعمل في معية الزعيم تحت ضغط الشعور بالحاجة إلى الإصلاح، وتغيير النمط التنفيذي السائد، وقد عمل رئيس "ريد" الجديد بالتسيق مع الرئيس التنفيذي الجديد أيضاً على وضع إطار عام لرصد أية أوضاع أو تحركات غير طبيعية بين أي من أبناء الطائفة وجماعاتها، ورسم خارطة طريق لعمل الجهاز، وفي أول تقرير قدّمه للزعيم قال: إن الأوضاع مُطَمْئنة تماماً، وليس ثمّة سوى أشخاص بعدد أصابع اليد الواحدة، يبدون تذمراً من السياسات المنتهجة عبر خطابات وبيانات مرتجفة، وأن أحداً لا يكاد يلتفت إلى خطاباتهم.. مضيفاً أن الجميع مع الزعيم كلمةً واحدة، وقلباً واحدا..

وما أن قرأ الزعيم آخر كلمة في التقرير حتى تنفّس الصعداء وشعر براحة وانتشاء، وسارع إلى عقد اجتماع مع مستشاريه ورئيس جهازه تنفيذي طالباً منهم العمل على إصلاح أوجه الخلل في النظام الأساسي الذي يحكم حياة الطائفة بالسرعة الممكنة. وتم إنجاز ذلك بالفعل، ولكن بدون مشاركة الأفراد ذوي التوجهات المناوئة، والأفكار المغايرة، وهم، حسب تقرير "ريد" الأخير، لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة..!!

المهم أن التغيير الذي حصل، لم يُقنع إلاّ القليل، وكشف تقرير لاحق لوكالة "ريد"، تسربت نتائجه من داخل الوكالة ذاتها دون علم الرئيس، عن تحركات وشعارات بدأت ترتفع بين فئات وعناصر عديدة من أبناء "الكونستركترز" تنادي بالتغيير وإعادة البناء على أسس عادلة، مطالبين بمحاسبة ذلك النفر من المقربين ممن لوّثوا صورة أحرار الطائفة وشوّهوا سمعتهم، وكذبوا على الغلبية الصامتة في الإقليم، ولكن هذا التقرير الذي تم مهره بعبارة "خاص وسري وعاجل" أيضاً، لم يصل إلى الزعيم وبقي في أدراج المستشارين والأعوان، الذين قدّموا للزعيم تقريراً آخر يصف الأوضاع بأنها على خير ما يرام، فيما كانت موجات الاحتجاج تجتاح الإقليم وتطالب بإسقاط الزعيم..!!


Subaihi_99@yahoo.com