هناك استعصاء يجعل المخاض الليبي صعباً وقدرة الثورة على ولادة الاستقرار مشكوكاً فيها وقد يحدث الاجهاض وبالتالي تهديد حياة الثورة نفسها كمولود أو تهديد حياة البلاد كوحدة تراب ومصير..ولعل التدخل الاجنبي السافر الى جانب الثورة التي كبرت بمساعدة الخارج هو العرض الذي يترك هذه الاثار الان..
الليبيون بحاجة الى الحوار الذي لم يعرفوه لأكثرمن أربعين سنة عاشوها «كمسرح العرائس» اشكال تتحرك دون كلام حيث جرى مسح البلاد من كل اشكال الوعي على الواقع او محاولة بناء مجتمع مدني يقبل الحوار ويعمل من خلاله فلم تكن هناك أحزاب أو منظمات مجتمع مدني أو مشاركة حقيقية بل لجان ثورية وشعبية وتقديس لشعارات لم يكن الليبيون يجنون منها سوى الخراب..
لم يتحاور الليبيون قبل ثورتهم الاخيرة وهم لم يتحاوروا بما يكفي حتى الآن فقد انشغلوا في ترميم الجراح الناشئة عن الحرب الداخلية واعادة تعريف أنفسهم وتلمس واقعهم الصعب وغياب الحوار والتقاء المصالح جعل أطرافاً ليبية تأخذ بمفهوم الفيدرالية أو حتى الكونفدرالية في الدعوة الاخيرة التي تزعمها أحمد السنوسي قريب الملك الليبي السابق والتي رد عليها رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل بالانفعال حين هدد باستعمال القوة لمنع تقسيم ليبيا..
المستشار عبد الجليل اتهم انصار العقيد المقتول بأنهم وراء الدعوة رغم ان صاحب الدعوة هو من اقارب الملك ولديه رصيد من السجن في عهد العقيد زاد عن ثلاثين سنة ورغم أن اللامركزية لا تعني التقسيم ولا حتى الكونفدرالية سيما وأن ليبيا جربت هذه التجربة في الماضي بعد الاستقلال وفي العهد الملكي حين كانت تتكون من ثلاثة أقاليم هي اقليم برقه الذي عاصمته بنغازي وهو القسم الواقع في شرق ليبيا وفيه الجبل الأخضر والامتداد حتى الحدود مع مصر وهو اقليم كبير غني فيه معظم مصادر النفط وهناك اقليم طرابلس واقليم فزان في الجنوب وهي الاقاليم التي توحدت في العهد الملكي وبقيت طول فترة حكم العقيد لاكثر من اربعة قرون وتأتي ذريعة العودة الى الاقاليم لاحساس أهالي برقة بالظلم الذي وقع عليهم طوال فترة حكم العقيد القذافي..
أعتقد أن ليبيا ذاهبة بهذا الاتجاه اتجاه العودة الى الاقاليم الثلاثة والغاء المركزية وهذه المرحلة سيقرر فيها الليبيون ما اذا كانوا سيدفعون الضرر الاقل من أجل تجنب الضرر الاكبر بمعنى قبول الفيدرالية أو الكونفدرالية كحل أو الذهاب الى الصراع والحرب كما هدد عبد الجليل وهو يدرك أنه ما زال يحكم بشكل مؤقت ودون شرعية انتخاب وان هذه المرحلة التي تطرح فيها أفكار الكونفدرالية تقوم خطورتها او حتى صوابيتها انها تطرح الآن في وقت مبكر وقبل الانتخابات لاختيار نظام الحكم الذي سيقوم في ليبيا وشكله وحتى تسمية الدولة ..
ليبيا تدور الآن في حلقة مفرغة فالميليشيات ما زالت موجودة وقد رأيتها بأم عيني في الزيارة الأخيرة لليبيا لمدينة طرابلس وبنغازي حيث ما زال ثوار الزنتان يسيطرون على مطار طرابلس وثوار مصراته على الطريق ما بين المطار والمدينة وهناك انتشار واسع للسلاح يحرم الليبين من امكانية الوصول الى الاستقرار بسرعة أو انجاز مرحلة التحول الديموقراطي بهدوء..
تهديد عبد الجليل لا يستند الى قوة فاعلة سوى ضمير الليبيين وحجم معرفتهم بالامر والذين ما زالت أغلبيتهم مع الوحدة أو لنقل ما زالت لم تدرك مخاطر الانقسام أو لا تعرف على وجه التحديد ماذا تعني الفيدرالية ..ودعوة السنوسي لاقامة اقليم برقه لا يجوز ان يلصق بها الاتهام وان يتسرع المجلس الانتقالي بتخوين أصحابها ..ليبيا بحاجة الى الحوار وان يتوج الحوار باستفتاء صحيح وموضوعي على الاقاليم حتى لا تتكرر اخطاء ما قبل الثورة على يد الثورة ويعود الليبيون للاحتكام الى السلاح الذي يتوفر الان بسهولة وسيكون أعداء ليبيا هم الاسرع لتوفره واستخدامه والدخول بالبلاد الى نفق لا نهاية له...
alhattabsultan@gmail.com
الراي