تاريخياً ..كان الأنف محط الجدل ولُب الإهتمام عند العرب..فقد قالوا قديماً "لاتمرغ أنفك بالوحل..وأبقيه شامخاً" ذلك إن كان الأنف رمز العزة والكرامة والأنفة التي هي أصل كلمة الأنف كما اتفق أهل النحو,أما عند الإشارة إلى امتهان الكرامة وكسر الإرادة نقول.."فعل رغم أنفه", وكأن الأنف هو العقل المدبر لأفعالنا وأقوالنا..
هو الأنف اذن الحاضر دوماً في حياتنا, حتى نقول لأحدهم " توقف عن حشر انفك في ذلك الموضوع" واذا ما اردنا وصف احدهم بالغرور والإستكبار استخدمنا الأنف مجدداً لنقول "هذا أنفه في السماء", وحتى في الغضب نستعرض بالعامية غضبناً بالتلويح بأن الأمر وصل الى هنا بالإشارة إلى الأنف.
أيكون للأنف كل هذه الأهمية ولايدركها السياسيون الجدد القادمون الى سدة الحكم والأغلبيات البرلمانية في العالم العربي, الهذا خجل النائب في مجلس الشعب المصري انور البلكيمي من حجم انفه فقرر اجراء عملية تجميل لتصغيره ثم سرعان ما خجل أيضاً من إجراء العملية التجميلية وخاف من تجريمه فسارع إلى إطلاق كذبة بيضاء انقلبت على رأسه وكسرت انف حزبه المستجد في عالم السياسة.
أنف البلكيمي أصبح عنوان المرحلة التي تعيشها مصر اليوم , لكنه عنوانٌ يصلح لكل مكان وزمان في عالمنا العربي, ليس من باب الطرافة التي احدثتها القصة وبناءها الدرامي الركيك, ولكن من باب ما نتوقعه من أصحاب الشعارات الرنانة فالخطابات النارية في ربيعٍ عربيٍ أضحت أهم ملامحه حروب التشكيك وحملات إغتيال الآخر وبيع المبادىء و(الشرف) على مسامع الناس الذين تعبوا من فساد الحكومات وبطاناتها فقرروا طوعاً أن يصدقوا كل ما يقال ضد الحكومة ورجالها وانظمتها وسمعتها ورائحتها من أيٍ كان.
صديقنا النائب البلكيمي الذي اتسمت حملته الإنتخابية في محافظة المنوفية بالتركيز على ان المرحلة الراهنة تتطلب من الجميع وقفة صدق وشفافية مع الناس, لم يدرك انه مثل آخرين ممن يدعون إلى الفضيلة من على المنابر الإنتخابية والمهرجانات الإعتصامية..سيرسب في اول امتحان له مع نفسه ومع جمهور ناخبيه.
فمالذي دفع النائب المذكور لإختلاق قصة الإعتداء عليه وكسر انفه بكعوب الأسلحة الأوتوماتيكية والإستيلاء على مبالغ ضخمة منه, أهو الإحساس بالخجل الشديد من فكرة قيام النائب بعملية تجميل, أم أن الموقف الشرعي لحزبه من عمليات التجميل بالتحريم هو مادفعه لتأليف الرواية..؟!
أيا كانت الحقيقة التي دفعت برلمانياً عربياً مُحدثَ سياسة إلى فعل ذلك, فإن مخاوفنا تتزايد من القادم من سياسيين جدد تفرزهم ظروف الربيع الآيل للسقوط بعد أن أشبعونا وعوداً بأنهم خير خلف لشر سلف.
ثم ماذا يعني ان يكون أنف السياسي كبيراً, وما العيب في ذلك , الم يكن نابليون بقامته القصيرة صاحب انف ضخم وكذلك شيراك وقبلهم ملوك الفراعنة وفي الإبداع العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وزين الدين زيدان..!
ما أخاف عليه الآن أن يأتي يوم يقرر فيه نواب وسياسيون أُردنيون وعرب أيضاً أن يجروا عمليات تجميلية ليُخفوا عيوبهم ويشفطوا كروشهم لغايات الطلة البهية ثم ينتابهم إحساس بالخجل فيخرجون لنا بقصص وروايات علينا ان نصدقها كما صدقناهم حين أتوا إلينا محفوفين بالانتصارات السياسية على وقع الشعارات الإنتخابية الرنانة والوعود الكبيرة الشامخة كالانوف العربية الأصيلة.
وما اخاف عليه اكثر ان نكون مازلنا تحت تأثير الصدمة التي صعقتنا بمسؤولين كبار كنا نعتقد انهم بمنأى عن العثرات والأخطاء والسقطات فرُحنا نصدق من طرحوا أنفسهم منقذين لقيم الأُمة وحملةً للواء الشفافية.
الغريب إن النائب صاحب الأنف الأزمة ورث ذات المقعد في البرلمان المصري الذي كان يجلس فيه أحد أكثر السياسيين المصريين إثارة للجدل في عهد مبارك وهو القابع في سجون الفساد النائب احمد عز..فماذا لو عُممت التجربة المصرية لنكتشف أن الربيع العربي لم يغير كثيرا على حالنا .