أوهن البيوت .. أ. د. مصطفى محيلان
أ.د مصطفى محيلان
08-03-2012 04:10 AM
قال تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ)، [البقرة:166]. فما الذي يجعل الَّذِينَ اتُّبِعُوا يتبرؤون من الَّذِينَ اتَّبَعُوا ؟
أنه ظلمهم وخوفهم من العقاب، فلا يجدون أمامهم سبيل للنجاة سوى ذاك المتوقع منهم كالتخاذل والإنكار، وليس ذلك عليهم ببعيد !
ألا يدل كسر العِقد بين التابع والمتبوع على أن العلاقة بينهم كانت على أساس المصالح، وليس الصالح العام، والفرق كبير هنا، بحيث انه عندما كشف أمرهم أو خبت نارهم، تفرقوا شيعا ولم يبالي أي منهم بمآل أخيه!
أليس اكتشاف الدسائس والمؤامرات والصفقات المشبوهة، سواء على مستوى الوطن أو حتى ما يمس منها الأفراد، مخجل وكاف عند فضحه ليفر الواحد منهم من أخيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه!
أليست هذه حكمة من حكم الله عز وجل، بحيث يبدأ عقابه للفاسدين والمفسدين وأتباعهم، بأن يفرق جمعهم أولاً، ومن ثم يحاسبون، فرداً فردا!
أن ما نشهده في أيامنا هذه من تكشف لملفات فساد، ما ظهر منها وما بطن، يدل على أن مؤسسته منظمة، متشعبة ومتجذرة، ولكنها رغم كل ذلك واهنة، غير متراصة، حتى إذا ما شعر احد زبانيتها بقرب حسابه، خر صعقاً منهاراً، كاشف المستور، وبكل سرور!
هذا ما يحصل بشكل عام، تجد فاسد وله ذرية ضعاف، غلبهم على أمرهم بنفوذه أو ماله، أو حتى بالمال العام، فأوصلهم إلى ما هم فيه من خزي وضعف وعار.
الفساد لا يكون دائما متمثلاً بنهب المال العام أو حتى الخاص، ولكنه يأخذ أشكالا متعددة، وكوني اعمل في مجال التعليم الجامعي فأود أن أشير هنا إلى بعض الأمثلة التي تنم عن فساد لا يقل بقذارته وتبعاته عن الفساد الذي يحصل خارجها:
أن منع إيصال المعلومات عن أعضاء المجالس وبخاصة عن المهتمون منهم والمتابعون لشؤون جامعاتهم فساد، يشترك فيه كبار الجامعة وصغارها وحتى أمناء سرها.
إن عدم إعطاء الوقت الكافي لمناقشة المواضيع المدرجة على جدول الأعمال فساد.
إن عدم ذكر جميع ما يحصل في محضر جلسة المجلس، بدقة وأمانة فساد.
أن تبرير تقصير المقصر، والتغطية عليه، والتغاضي عن أخطائه فساد.
إن استغلال النفوذ الإداري للحصول على مكاسب مالية مهما صغرت، هو شره وشللية وظلم للغير وفساد.
إن إخفاء معلومات مالية أو إدارية عن أعضاء المجالس فساد.
إن ترحيل وتأجيل الملفات المالية والإدارية فساد.
أن تنازل الجامعة عن بعض حقوقها للغير وهي بأمس الحاجة له، فساد.
إن حجز مبالغ مالية، في الميزانية السنوية تحت باب مصاريف أخرى، من دون أن يتم إظهار كشوفات وبيانات توضحها في نهاية العام، وعدم القدرة على تبريرها فساد، فساد، فساد.
الغريب في الأمر انك عندما تسأل الكبير "المتَبَع" في المؤسسة عن سبب فعلته وفساده ينكر ويلصقها بالصغير، وعندما تواجه الصغير "المُتَبِع" ينفي، وعند مواجهتهما معاً يتبرأ الذين اتُبِعوا من الذين اتَبَعوا، كيف لا وقد انتهت مهمة الصغار بالنسبة للكبار!
خلاصة القول : إن أبواب وأشكال الفساد كثيرة، والسبيل الفوري لسدها والتخلص منها هو طبعاً قطع دابر المفسدين، ولا يتم ذلك إلا بالمتابعة الحثيثة من قبل أولي الأمر لمؤسسات الوطن عامة وجامعاته خاصة، وذلك بالتواصل مع العاملين فيها، للوقوف على أوضاعها وأوضاعهم ، وللسماع لهم وبالتالي لها، فلربما كان لديهم ما يقولونه بحقها.
ألا أن كل واحد منا على ثغرة من ثغر الوطن فلا يؤتين من قِبَله.
muheilan@hotmail.com