ما "بعد" الديموقراطية: مرحلة" لست دفاعا عن .. " ؟!
د. وليد خالد ابو دلبوح
07-03-2012 01:57 PM
اخر صرعات الموضه وابداعاتها تتفتق وتتجلى هنا اليوم, حيث قفزنا في لمح البصر من الموضة "الدقة القديمة" "الشعب يريد ..." الى موضة اكثر تطورا وحداثة و"حنانا" " تحت ما يسمى "لست دفاعا عن ...". لقد قفزنا فوق الأمم الى مرحلة ما بعد الديموقراطية! لقد شبعنا من الديموقراطيه ما يكفي ومللناها والان جاء دور "العفو عند المقدرة" بدواعي لم نكن بالأمس طرفا فيها!.
لا نبالغ ان ذهبنا بالقول بأننا نكاد نكون “أكثر” شعوب الأرض رأفة وعاطفة حتى وسعت رحمتنا و "نخوتنا" الى لصوصنا وسماسرتنا وجلدينا! ما ان تمكن الحراك الشعبي بعد شق الأنفس, وبعد عقود وعقود من الصراخ والعويل والمعاناه لنيل بعض حقوقهم وتقديم بعض الفاسدين الى العداله, حتى خرج من بين ظهرانينا اناس, كانوا قد سبق وأن "نافسونا" في الوطنيه والولاء والانتماء, لتدافع عنهم تحت شعار " لست دفاعا عن ... " !! أيعقل في الوقت الذي تنادي فيه الشعوب العربيه, "الشعب يريد...", يأتي البعض هنا لينادي, "لست دفاعا عن ... "!
شعب حنون الى درجة الجنون, ما ان "اكتشف" الشعب جرائم الفساد حتى هبّ ووقف وقفة رجل واحد, ممتاز! وما ان تمكن هذا الحراك الشعبي من ادخال بعضهم للاستجواب لا أكثر, حتى خرج من كان يقف بالأمس يصفق في الشارع, أصبح اليوم يقف ويصفق داخل بيوت مدفأة! ممثل؟! وقد كان بالامس ممتازا ؟ يعني أصبح الأن ... ممثل ممتاز؟!
أن مشكلتنا الحقيقية تجاه مكافحة الفساد لا تكمن في الافراد بل تسكن ثقافتنا وعقليتنا ومنطقنا, ومن هنا نستطيع القول بأنه لا يمكن أن نرى أفقا في مكافحة هذه الاّفه قبل تحرير أنفسنا وثقافتنا أولا من نفق الرجعية والتخلف المتغلغل في نفوسنا وعقولنا. وهذا بالتأكيد لا يمكن أن يحصّل في المنظور القريب لأننا لا نستطيع أن نغير جيناتنا في عملية قيصرية ومندفعه – وأكيد "ان خيليت بليت". والعمليه الأفضل للمدى الطويل تكمن في اعداد استراتيجية شاملة لا في التنمية فحسب بل في التربية ايضا.
لا مانع من توخي الحذر ولا مانع أن لا تعدوا أعيننا عن استقرار وأمن البلاد, ولا ضير في التبصّر والرويّه والاجتهاد, ولكن كل هذا لا يعني القفز بين محطتين في سويعات, ان امكننا المسير بينهما بتروي وببطئ. الناس بشكل عام لا ينظرون الى استئصال الفساد بقدر ما ينظرون الى الحد من جحم الفساد. لأن ما يميّز الامم المتقدمة من المتاخرة هو ليس في وجود أو عدم وجود الفساد ولكن بتفاوت نسب ودرجات الفساد بينهم.
نعم نريد اعادة الدفة الاقتصادية والاستثمارية ونعم نريد اعادة الحياة الاعتياديه والمياة الى مجاريها واننا في المقابل لا نريد التجريح او التنكيل او الشماتة او كسر العظام واتباع سياسة الحقد المبطن و"تكسير العظام" لا قدر ولا سمح الله. ولكن الاعتدال بين مطالب هؤلاء لا يعني أن يكون على حساب الاخرين. لماذا يكون ربح الاخر مرهون بخسارة الطرف المقابل؟ اين معادلة الربح للجميع؟ لان من المؤكد الاندفاع الأعمى نحو أي طرف سيكون مؤذيا على الجميع وفي جميع المراحل.
الخطاب المعتدل والبنّاء مهم جدا في هذه المرحلة الدقيقة حيث لا يقل أهميتها عن السياسات المتبعة والمنوي اتباعها. لان المسؤول علية أن يقنعك بخطابة ومنطقه ورؤيته قبل أن ينفذ ما أقنعك وحاورك من أجله. وعليه فانا الخطاب القائل "باخراج روؤساء الوزراء من قبورهم"؟! فنقول اليس الأنجع, "ان حضر ماء بطل التيمم"؟! فمن منظوري, فان الصراحة والمكاشفة لاعادة الثقة بين الشعب والحكومة أهم من اعادة الاموال "المنقولة وغير المنقولة" اليهم! ان في مثل هذه الخطابات مهما كان مضمونها وسياقها لا داعي له كون لا تعلم في هذه المرحلة الحرجه كيف تفهم وكيف ستترجم في وقت لاحق, و كون الوضع لا يحتمل التأويل والسجال والمناكفة, وطبعا وبغض النظر عن "حسن النوايا"!
Dr_waleedd@yahoo.com