طاهر العدوان يكتب لـ عمون: إعادة العافية للدولة قضية وطنية
طاهر العدوان
07-03-2012 11:47 AM
* كراهية المفسدين والحكومات يجب ان لا تقود الاردنيين لتدمير كل شيء.
* أفضل اصلاح هو الذي يأتي في الوقت المناسب وكل تأخير او مماطلة سيقود الشارع الى الغلو في الشعارات والتطرف في المواقف.
* تعزيز معاني المواطنه الاكثر التصاقا بالميزات التاريخيه الفريدة للاردن وتقاليد الملكية الهاشمية.
* لا توجد اموال يمكن استردادها فالفاسدون حواة وسحرة ومن يتابع ردود فعلهم يحسبهم غلابى واولياء صالحين.
عمون - طاهر العدوان - تحتاج البلاد الى معجزة لتخطي الأوضاع المالية والاقتصادية الخطيرة فالأردنييون قد اذهلهم حجم الفساد من حولهم لم يعودوا يتقبلون الآراء والتحذيرات التي تتحدث عن هذه الاوضاع .
فالمطالب في زيادة الرواتب والإنفاق العام تتصاعد فيما ارقام فاتورة النفط والطاقه تبلغ ارقاما فلكية بالنسبة لدولة تعتمد في موازنتها العامة على الضرائب والمساعدات الخارجية المحدودة وكل هذا يكشف عن تجاهل شعبي للازمة الاقتصادية والمالية الخانقة.
وتفسير هذه الظاهرة الشعبية يعود الى مشاعر الاحباط وعدم الثقة بنزاهة القائمين على السياسات الاقتصادية في السنوات الاخيرة، حيث انتشر الفساد المبني على استغلال النفوذ والتسيب المالي والهدر بالنفقات فالشعب تجتاحه مشاعر غاضبة, بإلهام من الربيع العربي , يشعر معها انه في وضع قادر فيه على استرداد المال العام واصلاح القرارات الاقتصادية الخاطئة بالاعتماد على الاحتجاجات والاعتصامات والمسيرات, فيما واقع الحال انه لا توجد اموال ذات شأن يمكن استردادها, فالفاسدون حواة وسحرة ومن يتابع ردود فعلهم على الاتهامات التي توجه اليهم يحسب انه امام اولياء صالحين وزمرة من الغلابة الذين تفانوا في خدمة الشعب. وعلى أرض الواقع لم يترك الفاسدون غير ديون وذمم على موازنة الدولة.
حتى يتحقق الحلم بأردن جديد، وبدولة المؤسسات القائمة على صناديق الاقتراع غير المطعون بنزاهتها , فإن كراهية الفساد والمفسدين والحكومات أيضا يجب أن لا تقود الأردنيين إلى تدمير كل شيء بناه الاباء والاجداد في ظل الوهم القائل بأن الاصلاح لا يقوم الا على الانقاض .
لقد مثلت مسيرة الشعب الأردني دائما الاعتدال والعقل والعلم والتقدم, وبهذا المعنى فإن الأردن لو لم يكن ملكية مستنيرة ودولة مؤسسات لما كان قابلا للحياة وسط موجات متتالية من التحديات الداخلية والخارجية التي سعت للنيل من تطوره وامنه واستقراره ومن هويته ووحدة شعبه.
لا يملك الاردنيون الوقت للاستمرار في وضع يقود الى تصاعد الخوف من الانهيار والفوضى بما يهدد هوية الوطن . كما لا يملكون الوقت في مواجهة ظروف وتداعيات ازمة مالية واقتصادية تتناقص فيها الموارد ويتراجع الاستثمار وتتلاشى فرص العمل وتتنامى الديون بسرعة كبيرة.
لابد من سلوك اقصر الطرق للانتقال الى وضع مستقر يعيد الحياة لقوة العمل والانتاج وينمي الثقة بالاقتصاد الوطني .. فإذا كان الاقتصاد ينزلق نحو حفرة , فالأمل أن لا تكون عميقة وكما قال أحد الحكماء "عندما تكون في قعر حفرة يجب ان تكف عن الحفر".
بالطبع لا أطلب تعليق الاصلاح أو التراجع عن شعارات الحراك الشعبي الذي يتلقى المساندة الشعبية بشكل مطرد . فالأردنيون يجمعون على أن ربيعهم هو حركة للاصلاح وليس ثورة شعبية . كما ان الفاسدين وقوى الشد العكسي معركتهم خاسرة لانهم يواجهون تيار التاريخ .
إن مهمة إعادة العافية للدولة قضية وطنية ملحة وتتطلب ثلاث امور ( 1) التوقف عن سياسات اقصاء الشعب عن الساحة السياسية بتفعيل دور صناديق الاقتراع وهيئات المجتمع المدني. وكل مماطلة وتأخير في مباشرة الاصلاح سيقود الشارع الى الغلو في الشعارات , والتطرف في المواقف والاتجاهات . وافضل اصلاح هو الذي يأتي في الوقت المناسب لأنه في السياسة ليس في كل تأخيرة خيره.
( 2) تعزيز الوطنية الاردنية بتنمية معاني المواطنة التي ترسي دعائم المجتمع ووحدته , المعاني الاكثر التصاقا بالميزات التاريخية الفريدة للاردن وبتقاليد الملكية الهاشمية وأرثها المجتمعي والعشائري التي جعلت من الروابط القوية بين الملك وبين ابناء شعبه قوة كاسحة مكنت الأردن في مراحل تاريخية متعددة من التغلب على الازمات والاخطاء والتحديات.
3 مزيد من المصداقية والشفافية ومخافة الله لاستعادة ثقة الشعب بالدولة ومؤسساتها. ولا سبيل لاقناع الرأي العام بحقائق الازمة المالية (على سبيل المثال) الا بالمكاشفة والمصارحة وتقديم المعلومات الشاملة . ولكن قبل ذلك تشريح نفقات الدولة , وتفصيدها , بإظهار كل تفصيل في الانفاق العام,من اول فلس حتى اخر مليون.
فالموازنات الغامضة لا وجود لها ولم يعد هناك من اسرار تخفى عن الاردنيين والعالم. فاقمار التجسس تقرأ عناويين الجرائد والمعلومات تنهال على السفارات مجانا والاسرار الامنية اصبحت ملكا لواشنطن ولندن منذ تدمير برجي نيويورك.
اذا لم يقتنع الاردنيون, بالرقم وبالمعلومة بان كل قرش يصرف في مكانة وان التوفير في النفقات يعمل بنسبة مئة بالمئة . فانهم سيتعاملون مع الوضع وكأنه معركة مستمرة بينهم وبين غيلان وحيتان تنهب مواردهم ورزق ابنائهم.
اخيرا لاننسى بأن سيادة القانون وتكريس قيم الحرية والكرامة لا يتم الا بتعزيز قوة الدولة الاقتصادية والمالية وامنها واستقرارها. فالفاسدون لا يرعبهم شيء اكثر من البناء الديمقراطي لدولة القانون والمؤسسات . بالمقابل , اقتبس هذه العبارة لاختم بها "لقد اصبح معروفا ماذا تريد من وطنك لكن ماذا عليك انت ان تقدم له".
*خاص ب عمون والكاتب وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال السابق.