الادارة المرتبكة حولت زيادة الرواتب إلى إضرابات ورفع الكهرباء الى ازمة.
لا نفهم النشاطات الميدانية الاخيرة لجلالة الملك على انها تفقد للمؤسستين المدنية والعسكرية والاطمئنان على وجود منتجات غذائية ومواد التنظيف في الاسواق. فالزيارة كانت لفئات المواطنين الذين يتعاملون مع الاسواق الاستهلاكية وهم ابناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة, كما ان استقبال جلالته لادارة جمعية حماية المستهلك رغم كل ما تعانيه من ضعف حضور دعوة لنشاط مؤسسي يقدم الحماية للمستهلك, واخيرا كانت الزيارة لرئاسة الوزراء حيث التأكيد على الاصلاح الاقتصادي والسياسي وضرورة انجازه, وما اراد الملك قوله إن حماية المواطن وحقه في الحياة الكريمة اولوية للدولة.
لكن الرسالة التي نتمنى ان نصل الى تجسيدها ان الاولوية لحماية الناس, وايضا حماية اقتصاد الدولة, فالوضع الاقتصادي العام صعب, والوضع الاقتصادي للناس صعب ايضا, وقدرة الحكومة هي ان تجد معادلة تحمي بها اقتصاد الدولة وحق المواطن في حياة كريمة.
المشكلة احيانا في ادارة الحلول, فرغم كل الشكوى من العجز الا ان الحكومة دفعت هذا العام مئات الملايين زيادات على رواتب العاملين والمتقاعدين في اجهزة الدولة عبر الهيكلة وهذا امر ايجابي وغيرها لكن الوضع السياسي العام والادارة المرتبكة من الحكومة اعلاميا وسياسيا حوّلت كل هذا الانفاق الى اعتصامات واضرابات, وعندما قامت بتغيير تعرفة الكهرباء ضاع كل ما فعلته, ثم تراجعت بحجة اعادة دراسة التعرفة على ذوي الدخل المحدود وهو اعتراف بان القرار الاول تم دون دراسة وهذا بحد ذاته ادانة لطريقة اتخاذ قرارات مهمة.
فئات عديدة من العاملين والمتقاعدين حصلت على زيادات جيدة لم تحدث منذ سنوات طويلة, وتطبيق مشروع الهيكلة قدم خدمة كبيرة لمعظم قطاعات موظفي الخدمة المدنية, لكن من يراقب المشهد الاردني يشعر ان الحكومة كأنها اخذت من رواتب الناس, لكن العبرة دائما بادارة القرارات مهما كان اتجاهها.
اليوم نحن على ابواب مرحلة جديدة نحتاج ان نرى فيها من الحكومة حسما لاسئلة اقتصادية وسياسية مهمة, والسؤال الاهم: هل تريد الحكومة ان تنفذ ما تعلن عنه على استحياء وعبر تسريبات والخاصة باستبدال دعم بعض المواد وتحديدا المشتقات النفطية, واذا كانت تريد هذا فماذا ستقول للمواطن وكيف ستقنعه بان آلية الدعم عادلة وتقدم لذوي الدخل المحدود حقهم في الدعم وان لا يكون رفع الدعم مدخلا لمعاناة اضافية على الناس ?
سؤال كبير يحتاج الى قدرة اعلامية وسياسية كبيرة فقدتها الحكومة في ادارة قضايا اقل اهمية شعبيا مثل تغيير تعرفة الكهرباء وتسويق تطبيق الهيكلة, لكن حسم الاجابة ضروري لانه يحدد الخطوات المقبلة اقتصاديا في مرحلة سياسية حساسة لا تحتمل مزيدا من الاخطاء, خاصة ان عقل الحكومة يتعامل مع كل ما يجري "ببال طويلة" لا تتناسب مع ديناميكية المرحلة وسرعة ردود الافعال على اي قرار,. وهذه الطريقة تحول حتى مشاريع الانجازات الى ازمات.
المرحلة تحتاج الى حسم وحُسن ادارة, فكل قرار, سواء كان اقتصاديا او غيره, يحتاج الى ادارة سياسية رفيعة وهذا ما تفتقده الحكومة في محطات كثيرة, وكما اشرت سابقا فان تسعيرة الكهرباء تحولت الى ملف نيابي مرهق للحكومة وصنع حالة شعبية لم نكن بحاجة لها, لهذا فان الحكومة مطالبة بان تحدد الخيارات المقبلة وتحسن ادارتها وان لا تنسى ان استقرار الدولة هو الاهم, وان ايجاد معادلة تحافظ على اقتصاد الدولة وتحمي المواطن مهمة تحتاج الى عقل سياسي واقتصادي من العيار الثقيل قد لا يتوفر في التركيبة الحالية.
ومرة بعد اخرى فان الحالة العامة تحتاج الى ماكينة سياسية لنقل المزاج العام الى نشاط سياسي وطني فاعل هو الانتخابات النيابية, وسيسجل تاريخ المرحلة ان هذه الحكومة بمماطلتها ووضع قانون الانتخاب في آخر جدول التشريعات ساهمت في ابقاء الحالة السياسية في حالة سخونة, ونتمنى بعد كل هذا التأخير ان يكون مشروع القانون الذي من المفترض ان تقدمه الحكومة خلال ايام قادرا على تحقيق الغاية من الانتخابات وصناعة حالة توافقية.
المرحلة حساسة واختلاط الملفين الاقتصادي والسياسي يزيد الامور صعوبة, ولو توفرت الادارة الاعلامية والسياسية الرفيعة لدى الحكومة لكان الثمن الشعبي لما تم انفاقه على هيكلة وزيادة الرواتب كفيلا بصناعة حالة رضا شعبية وليس توليد رفض واضرابات واعتصامات, لكن ما نتمناه ان تكون المرحلة المقبلة متميزة في حسن إدارتها.العرب اليوم