"الإخوان الوسطيون" بين فكي الكمّاشة
د. محمد أبو رمان
07-10-2007 03:00 AM
هنالك معركة "كسر عظم" داخل الإخوان يخوضها خصوم "النخبة الوسطية" في الجماعة، أبرز ملامحها تشويه صورة هذه النخبة والعمل على تقديمها في سياق التواطؤ مع الحكومة والانحناء لها والاصطفاف ضد التيار الإخواني الآخر "أنصار حماس"، على حد تعبير بعض الصحف المؤيدة له، الذي – بلا شك- يكسب شعبياً ولدى قواعد الإخوان بإبرازه وكأنه ند حقيقي للحكومة، لا تلين مواقفه، وذلك في سياق اجتماعي وشعبي محتقن من الأوضاع السياسية والاقتصادية يتعطّش للخطاب الشعبوي المتشدد.المفارقة اللافتة أنّ التيار "الوسطي"، الذي يُتّهم بالتواطؤ مع الحكومة، يقع الآن فريسة تسريبات إعلامية من نوع آخر، تُبرز موقفاً متشدداً من المؤسسة الرسمية تجاه جماعة "الإخوان"، ما ينعكس في النهاية لصالح تيار التصعيد والنخبة التي ترى المؤسسة الرسمية أنّها تخرج بالجماعة عن خطها السياسي التاريخي المعروف!
موقف المؤسسة الرسمية الصلب يتبدى بتسريب الانزعاج الشديد من مقابلة رئيس الوزراء مع وفد من جماعة الإخوان، والتقليل من قدرة التيار "الوسطي" على وضع الإخوان في المسار الصحيح والمبالغة في تصوير الطموح السياسي للإخوان وكأنهم يسعون إلى الانقضاض على الحكم و"استنساخ" تجربة حماس أو لبنان في الأردن.
هذا الموقف الحاد هو بمثابة الإصرار على "رؤية العالم من خرم الإبرة"، ويتضمن فرضيات وقضايا بحاجة إلى وقفات طويلة! لكن نضع في هذا المقال رؤوس أقلام..
أولاً؛ ليس صحيحاً أنّ الإخوان يتبنون استراتيجية "الاستعصاء على الدولة"، ويسعون إلى استنساخ التجارب الأخرى، وهنالك مبالغة كبيرة في تصوير طموحهم السياسي، بخاصة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وهنالك نفخ في تصريح عزام الهنيدي "أنّ الإخوان مستعدون لاستلام السلطة التنفيذية"، إذ بالضرورة ما قصده الرجل هو تشكيل حكومة ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية.
فالتفكير "الاستراتيجي" الإخواني استقر منذ منتصف التسعينيات على وضع سقف واضح لأجندتهم السياسية في الأردن يتمثل بالمشاركة لا المغالبة، وبالالتزام بالولاء للعرش الملكي والدستور، واستبعاد فكرة إقامة "دولة إسلامية" في الأردن.
من ناحية أخرى؛ الدولة - في الأردن- تمتلك مؤسسات سياسية وأمنية مستقرة وراسخة وهنالك حالة أقرب إلى "العقد الاجتماعي"، أو الإجماع الوطني، بالحفاظ على الأمن والنظام السياسي. أمّا فرضية وجود تيار داخل الإخوان يمثل امتداداً لأجندة إقليمية وينفذ مضامينها في الدولة، ويشكّل خطراً حقيقياً، هي فرضية ضعيفة، فلو – جدلاً- "قولبنا" هذا التيار في سياق هذه الفرضية فإنّ ديناميكية الحياة السياسية المحلية تسير بالاتجاه المعاكس له تماماً.
ثانياً؛ المفاضلة بين الإخوان والسلفية الجهادية (التيار التكفيري)، بجعل الإخوان أشد خطراً على الدولة والمجتمع من (التكفيريين)، هي مفاضلة غريبة وتفتقر إلى المنطق الاستراتيجي، فالإخوان (وحزب جبهة العمل الإسلامي) هي تنظيم قانوني مشروع، يعمل فوق الأرض وفق الدستور، يمثلون، بصورة عامة، رؤية شريحة اجتماعية واسعة لها مواقفها المتدينة المحافظة، ينتمون - في الأغلب- إلى الطبقة الوسطى (العليا والدنيا)، فلا يقارنون - بأي حال من الأحوال- بمجموعات أقرب إلى حالة "الاحتجاج الاجتماعي"، لا يخضعون لقانون ويكفرون بالدستور، ولا يؤمنون بالعمل السياسي المدني ولا بالديمقراطية ويعبرون عن حالة إحباط وسخط من الراهن، بلا أي برنامج أو رؤية سياسية واقعية!
الملاحظة الجوهرية، التي تتجاوزها الرؤية الرسمية السابقة، أنّ حركات الإسلام السياسي، في أكثر الدول العربية، تمثل الخط السياسي الشعبي الأول، والتعامل معها يستدعي التفكير الاستراتيجي في كيفية احتوائها وإدماجها في المعادلة السياسية ضمن شروط معينة، أمّا استبعادها وإقصاؤها فيعزز من الخط الراديكالي ويخرج شريحة اجتماعية واسعة من دائرة المشاركة السياسية ما يدفع باتجاه احتقان سياسي يتعانق مع احتقان اجتماعي نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، ويُرحّل استحقاقات كبيرة لكن بغرامات مضاعفة!
هنالك فرق شاسع بين نقد "الإخوان" ورؤيتهم السياسية (سواء بضعف الجانب التنويري فيها أو معضلة الافتقار إلى البرامج الواقعية السياسية والاقتصادية) وبين مسألة رسم استراتيجية التعامل معهم التي يُفترض أن تقرأ المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية برؤية شمولية وحسّاسة تتجاوز المنظور الأمني البحت.
وإذا كان هنالك تياران داخل الإخوان، وفقاً للرؤية الرسمية،: الأول يمثل الخط الوطني الإصلاحي، لكن له مواقفه المعارضة للسياسات الحكومية والثاني يمثل خطّ التصعيد، وله أجندة سياسية مختلفة؛ فإنّ السؤال: بأي اتجاه تدفع الاستراتيجية الرسمية: نحو تقوية وتعزيز الخط الوطني أم المتشدد؟!
m.aburumman@alghad.jo