معالجة البيئة التي تنتج الفساد
د. رحيّل غرايبة
04-03-2012 02:55 AM
يشعر المواطنون بالارتياح عندما تشرع الحكومة بمحاربة الفساد والاصرار على تقديم شخصيات كبيرة الى التحقيق والقضاء, ويشعرون ايضا بالارتياح اكثر وأكثر اذا ما تمّ فتح ملفات الفساد بطريقة منهجية علمية مؤسسية وفقاً لمعايير منضبطة يتم تطبيقها على جميع المفسدين بلا انتقائية او مزاجية, وبمنتهى الشفافية والنزاهة.
ولا يجوز الدفاع عن اي فاسد ولا يجوز الدفاع عن كل من مدّ يده الى المال العام, ولا كل من شارك او ساعد او تواطأ بالسكوت على اي عملية سرقة او سطو على مقدرات الشعب الاردني تحت ايّ مبرر سياسي او اجتماعي , وفي الوقت نفسه يجب التنبيه الى الفاسدين الاخرين الذين ما زالوا بعيدين عن ايدي العدالة او عين الرقيب.
ولكن ما اودّ قوله في معرض هذا الحديث هو التذكير بالبديهية التي نعرفها جميعا والمتمثلة بالقول:"عليك تجفيف المستنقع قبل محاربة البعوض", فنحن نسلك الان مسلك محاربة البعوض وغضّ الطرف عن "المستنقع" الذي يصدر لنا اضعاف مضاعفة من اعداد البعوض التي نقضي عليها ونحاربها,ولذلك يصبح هذا الاسلوب نوعا من العبث, بالاضافة الى هدر الوقت والجهد ,فضلا عن عدم استرجاع المال والمقدرات المنهوبة.
والسؤال المطروح علينا جميعا يدور حول البيئة التي انتجت هؤلاء المفسدين من كبار رجال الدولة ومن الذين تولّوا اخطر المناصب وأشدها اثراُ في حياة المواطنين ومصيرهم ,وخاصة في ظل تكرار الحالة اكثر من مرة , وبنفس الموقع, ومواقع اخرى مشابهة, ممّا يجعلنا نخضع للمنطق القاطع الذي يفرض نفسه في هذه الحالة والذي يقتضي اعادة النظر في منهجية اختيار الاشخاص ومنهجية ادارة هذه المواقع ومنهجية المراقبة والمحاسبة, ومنهجية التعامل مع الوطن والمواطن.
وبناءً على ذلك يجب العمل على ايجاد البيئة الادارية النظيفة التي تخضع لمعايير عمليّة ,وضوابط دقيقة في عملية اختيار المسؤولين الكبار الذين يحملون مسؤولية ادارة الدولة, ويتحمّلون امانة الحفاظ على مقدرات الوطن والتصرف بالمال العام. ولا يمكن ايجاد هذه البيئة الا من خلال اعادة السلطة للشعب; ليصبح قادر على اختيار الحكومة عبر صناديق الاقتراع, وقادر على المحاسبة الصارمة, بحيث يمنع تكرار الحالة التي تسمح بإنتاج فاسد مرة اخرى, في غفلة الجماهير وفي غيبة المواطنين ودافعي الضرائب. العرب اليوم