ظلت صورتها تصفعني كلما تصفحت الجريدة أو فتحت مواقع الأخبار..وألف نوبة ضعف ظلت تطاردني كلما تذكّرت «كبّوتها» الخمري القديم واشاربها المخيّط بالصبر والعفّة ،ويديها المتكورتين في حضنها خجلاً وعوزاً..
عائشة الفقير ،تلك المنسية وأمها العجوز في «شادر» في قرى بني هاشم.. لم تتوقع أن يقسو عليها البرد أكثر من الزمن ليخرجها من «خربوشها» وعن صمتها..شاكية عبر الاثير سوء عيشها وفقر حالها..
عائشة الفقير الملفوظة تماما من «البرزنتيشن» الحكومي ، والمحذوفة تماما من «داتا شو» التنمية ، والمسحوقة من الكعب العالي الذي ترتديه سكرتيرات الوزراء، والموجوعة من احزمة البطن الذي تشّده رائدات العمل الخيري ..عائشة الفقير المكلومة من رقمها الوطني الذي نبذها كوباء الى خربوش بعيد ومهمل..والمحزونة جداً من بوح شكواها .. تعبت من تضميد صوتها الجريح بعصابة الريح...
عائشة الفقير..ترى كيف لم يستفز «خربوشها» المارين، ولا مواكب المتفقدين، ولا عيون المحسنين، ولا «بكمات» التنمية ، ولا شاحنات المساعدات؟؟؟ كيف لم يوجع منظر «الخربوش» قلوب سراق الوطن ،وبائعيه ، وناهبيه ، وغاسلي أموالهم في مجاريه ..كيف يستقوي كل هؤلاء على امثال «عائشة» الضعيفة والفقيرة والوحيدة؟؟.
عائشة «ايّوبية الصبر والدعاء».. صاحت بكل الجالسين خلف مدافئهم بعد ان نفد الزيت من سراج صبرها ... أنا هنا مثلكم ابنة تسعة،وابنة الوطن والنجمة ، انا ابنة ايوب القابض على وطنه المنهوب...فيا ايها المؤتمنون... أهكذا تفعلون بأغلى ما تملكون»؟؟؟ ...
صورة «عائشة وخربوشها» يجب أن تعلّق فوق رؤوس اصحاب المعالي والسعادة في مكاتبهم وغرف اجتماعاتهم واسرة نومهم..ليتذكّروا دوماً أن انجازهم مهما استطال يبقى قاصراً ما دام هناك في الوطن «عائشة»!!
عائشة الفقير التي خرجت عن صمتها ..سمع الديوان الملكي شكواها..فأمر الملك لها بسكن وأثاث يليق بأنسانيتها...لكن ماذا عن اللاتي ما زلن يعضّن على الكرامة بنواجذ التحمل والعفة..فمن يسمعهّن!!..
الراي