الإصلاح الضريبي وعجز الموازنة ..
د. عادل محمد القطاونة
03-03-2012 05:21 PM
لقد كان موضوع الإصلاح الضريبي ولا يزال مطلباً حيوياً لأي حكومة من الحكومات، في مقابل ذلك كان التحدي الأكبر للحكومة يكمن في تخفيض عجز الموازنة فتزايد المديونية لمستويات قياسية أصبح من الأمور التي تستوجب حلولاً جذرية، من هنا أصبحت الحكومات المتعاقبة تبحث في كافة الوسائل التي تكفل زيادة الايرادات العامة وتخيفض العجز حتى يتسنى العمل على العديد من الخطط الرامية للإرتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن من خلال القدرة على زيادة الرواتب وتحسين مستوى المعيشىة وسداد الإلتزامات الحكومية المتناثره للعديد من الجهات والمؤسسات !!
إن إعادة هيكلة دائرة ضريبة الدخل والمبيعات ودائرة الموازنة العامة وغيرها من الدوائر الحكومية التابعة لوزارة المالية يعتبر من الأهمية وتحديداً في هذا الوقت من العام على أن تبنى إعادة الهيكلة بشكل منهجي علمي مدروس يكفل تحسين الإدارة الضريبية وتوسيع قاعدة المكلفين وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي وإعادة تصنيف بيانات الموازنة العامة وبما يؤدي إلى تحقيق حزمة من الأهداف الإقتصادية الإجتماعية وفق معادلة محكمة تكفل تخفيض عجز الموازنة من خلال زيادة التحصيلات الضريبية ووقف الهدر المالي أو إعادة توجيه المال العام بالشكل الأمثل.
تعي الحكومة أن عليها العمل على تحديد عجز مالي مستهدف للسنوات القليلة المقبلة وهذا العجز يجب العمل على أن يتناقص بشكل تدريجي للوصول إلى تحقيق "مبدأ الاعتماد على الذات" عبر الاستغلال الأمثل للموارد المالية المحلية المتاحة وفي هذا المضمار تبرز ضرائب الدخل والمبيعات كأحد أهم الموارد المحلية التي يجب العمل على تعزيزها بشكل مدورس وبما لا يزيد من الأعباء على القطاعات الإقتصادية أو ينعكس سلباً على حياة المواطن.
لقد كان هنالك حزمة من الإصلاحات الضريبية الإيجابية في السنوات الأخيرة ، في مقابل ذلك كان هنالك جملة من الملاحظات ذات صلة بقصور ضريبي في حالات أخرى فبعض الإصلاحات الضريبية لم ترتقي إلا مستوى التحدي الإقتصادي الإجتماعي !! وعلى سبيل المثال لا الحصر إزدادت وتنوعت حالات التهرب الضريبي وارتفعت تكلفة التحصيل الضريبي وتباينت حالات الإجتهاد في كثير من قضايا الضرائب وتساقطت العديد من القضايا الضريبية في المحاكم !! قابل ذلك إنخفاض في حجم الإستثمارات وغلاء في المعيشة !!
لقد كان المواطن الأردني ولا يزال احد أهم الأولويات لأي حكومة من الحكومات من هنا فإن تعقد الإجراءات وتعدد المستندات والتواقيع والأختام ومزاجية التعامل وعدم فهم القانون وتعليماته وإجراءاته في حالات أخرى وإستفزاز المواطن في بعض الحالات أصبح من السلوكيات الغير مقبولة والتي لا تتماشى مع أي إصلاح ضريبي منشود كما أن طريقة تعامل التشريعات الضريبية والقائمين عليها مع الإستثمارات المحلية أو الخارجية أصبحت موضوع نقاش على الرغم من انها تشكل لبنة أساسية في بناء الإصلاح الضريبي الهادف إلى تعزيز البيئة الإستثمارية.
إن البحث عن أصل المشكلة وكيفية حلها هو الأصعب من النظر إلى واقع المشكلة فالمشكلة تكمن في إزدياد حجم العجز في الموازنة العامة ومن أهم ما يمكن الإشارة إليه في ما يتعلق بالحل الجذري لهذا العجز يكمن في تحقيق الإصلاح الضريبي الحقيقي الواقعي المستند إلى أرضية صلبة قوامها التخطيط والتوجيه الضريبي الأمثل.
إن إيجاد آلية مبسطة للتعامل مع صغار ومتوسطي مكلفي الضريبة، وتطوير الإدارة الضريبية ، وتحفيز الجهاز القائم على أمور التدقيق الضريبي، وزيادة كفاءة التحصيل الضريبي، والتوسع الأفقي في أعداد المكلفين من أجل زيادة التحصيلات الضريبية، وتبسيط وسائل التحصيل الضريبي وطرق تقديم الإقرارت الضريبية، وتحسين إجراءات تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات بكافة تفاصيلها، والإستفادة من تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في تقديم الإقرارات الضريبة والدفع الألكتروني والإستفسار والحصول على المعلومات، وربط أنظمة الدوائر المالية الحكومية بشكل علمي منطقي يعتبر من أبجديات الإصلاح الضريبي !!
إن تفعيل آليات مكافحة التهرب الضريبي وتطوير أساليبه، وتحسين إجراءات تنفيذ القوانين الضريبية والجمركية بوضع أدلة توضح وتشرح هذه القوانين وإجراءات المعاملات الضريبية والجمركية وإجراءات التحصيل يعتبر من الأهمية بمكان ، كما أن إنشاء قاعدة بيانات واسعة متكاملة تغطي كافة المعلومات المتعلقة بمكلفي ضريبة الدخل والمبيعات، وإنشاء شبكة ربط بين دائرة الضريبة والمديريات المنبثقة عنها وبين دائرة الجمارك تعبر ضرورة ملحة لتحقيق الإصلاح الضريبي، أما في الجانب التوعوي فإن إعداد برامج توعية ضريبية موجهة ومدروسة يعتبر لبنة في بناء الإصلاح المدروس المستند إلى ركائز حقيقية.
إن الأسباب التي أوهنت مسيرة الإصلاح الضريبي في المملكة تكمن في إفتقارها إلى الرؤية الشمولية المنهجية فزيادة التحصيلات الضريبية دون الأخذ بعين الإعتبار الأبعاد الإقتصادية الإجتماعية أو الأبعاد الإستثمارية يعتبر خطأ فادحاً ، في مقابل ذلك فإن تفويت الفرص لزيادة التحصيلات الضريبية وفق أسس مدروسة يعتبر من الأهمية في الإصلاح الضريبي ، من هنا أستطيع القول بأن المسبب الأساسي لمشاكل الإصلاح الضريبي وعجز الموازنة العامة يكمن في الإفتقار الى التخطيط الأمثل المستند إلى رؤية علمية منهجية شمولية يحكمها العقل والمنطق.