التباطؤ والتلكؤ والتثاقل التي صبغت طريقة تعامل مجلس النواب مع قوانين الإصلاح السياسي، بما فيها إصلاح النظام الداخلي للمجلس، يمكن وصمها بـ"الفساد السياسي"، لأنها ألحقت الضرر بمصالح الدولة والمجتمع، بسبب إعاقتها لمسار الإصلاح الشامل الذي بات أكثر من ضرورة، والتأخر فيه يهدد الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي على حد سواء.
الأنانية "النيابية" تفترض أن مجلس النواب الحالي هو "أبو الإصلاح!" و"عراب المرحلة". ولكونه كذلك، يتوجب أن يكمل مدته الدستورية (4 سنوات) كاملة غير منقوصة. ولأن القوى الحية في الدولة والمجتمع لا تشارك النواب هذا الرأي، وهناك شبه إجماع وطني على إجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية العام، فقد لجأ "دهاقنة" مجلس النواب إلى تبديد الزمن ليطول عمر المجلس، مما اضطر جلالة الملك إلى التدخل شخصياً، ولفت نظر مجلس النواب إلى مخاطر التأخير في إنجاز قوانين الإصلاح، والتشديد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية المبكرة قبل نهاية العام، بعد إنجاز القوانين ذات العلاقة.
"لفت النظر" في الحقيقة لم يكن للنواب وحدهم، بل لقوى وجهات أخرى في الدولة تُظهر حيادية وعدم اكتراث ولاأبالية، تجاه الرغبة الملكية في الإسراع في خطوة العبور إلى مرحلة جديدة من الحكم تتغير فيها قواعد اللعبة السياسية والبرلمانية. وقد كان الملك واضحاً وصريحاً حين قال "لن نسمح لأي جهة كانت أن تعيق مسيرة الإصلاح".
مجلس النواب يبرر تباطؤه في الإنجاز برغبته في إدارة حوار مع القوى السياسية والمجتمعية والخبراء وأصحاب الشأن، وأنه لا يرغب في "سلق" التشريعات.
حقيقة الأمر أن المجلس لا يدير حواراً مع أحد، وما تقوم به اللجان النيابية المكلفة بالنظر في مشاريع القوانين المشار إليها، ليس أكثر من "جلسات استماع" لأخذ ملاحظات لتدارسها فيما بعد. وهي أصلاً غير معنية بالحوار الذي يفضي إلى نتائج توافقية مع قوى غير برلمانية. وشتان بين الحوار وسماع الرأي.
شهران كاملان مرا على اللجنة المشتركة (القانونية والإدارية) حتى الآن، ولم تقر اللجنة سوى خمس مواد من قانون الهيئة المستقلة للانتخابات، وهي المواد الشكلية في القانون. ناهيك عن أن القانون بمجمله ليس قانوناً خلافياً.
ما الذي فعلته "اللجنة المشتركة" خلال الشهرين حتى "لا تسلق" القانون؟ لم تفعل أكثر من عقد 5-6 جلسات استماع مع قوى سياسية وخبراء ومهتمين. ولو توافرت الإرادة السياسية لإنجاز المهمة بالسرعة والكفاءة والجودة المطلوبة، فإن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من شهر واحد ليقر المجلس القانون بمجمله. فالتعديلات الدستورية لم تحتج إلى أكثر من ثلاثة أسابيع. وكان يكفي أسبوع واحد فقط لعقد 6 جلسات استماع (جلستان في اليوم).
ما يدفعني إلى الكتابة حول هذا التباطؤ المتعمد هو خشيتي من إضاعة مزيد من الوقت في القادم من الأيام، خاصة أننا أمام قانون خلافي هو قانون الانتخاب. ونسمع أصواتاً وصرخات تقول إن مجلس النواب سيقود حواراً وطنياً حول القانون!!
هل يعرف أصحاب هذا الرأي أن مجلس النواب غير معني، وليس من مهامه ووظائفه، إدارة حوار وطني، وأن الحوار والتوافق المطلوب والممكن هو بين قواه وتياراته النيابية؟ الحكومة هي الجهة المعنية بالحوار الوطني، ومع مجلس النواب، قبل تقديم قانون الانتخاب، لكنها كما يبدو "أخذتها من قصيرها"، كما يقال، وقررت أن ترسل إلى المجلس قانونها الخاص. فعن أي حوار وتوافق يتحدث هؤلاء؟!
bassam.haddahdin@alghad.jo
الغد