لم يضع الشعب الأردني, يوما, رئيس الوزراء, معروف البخيت, على قائمة الفاسدين, ولا على قائمة المطلوبين. الغضب الشعبي انصب عليه لسبب آخر هو عدم تمسكه الكافي بالولاية العامة, وقبوله بتنفيذ الأوامر خلافا لحقوقه الدستورية كرئيس للوزراء. عدا ذلك, فإن كل نقد له يبدأ بالقول " الرجل نزيه .. ولكن ". وحتى في القرارات التي وقعها, لم يتهمه الوطنيون أبدا بالإفادة منها أو بالتآمر فيها, وإنما بالإمتثال لتوقيعها.
قبل ذلك وبعده, البخيت من علبة الشعب, ابن العشيرة والفئات الشعبية, عسكري, ووطني أردني, وليس عضوا في نادي الكمبرادور والبرجوازية وكاره للنيوليبرالية. إنه, بالعكس:
Too jordanian
الأردنيون الحانقون لأن البخيت أضاع فرصة توجيه ضربات جذرية للفئات الكمبرادورية حين جاء إلى الحكم, العام 2011 ، محمولا بالحراك الشعبي, لا يطلبون رأسه, بل رؤوس أعضاء النادي وفي مقدمتهم باسم عوض الله وسمير الرفاعي وأمثالهما من ذلك النادي المعروف فردا فردا وقضية قضية لدى الرأي العام.
لكن تبيّن أن النادي هو الحاكم بأمره ما يزال. وهو - ويا للعجب - الذي تسلّم, أخيرا, دفّة تسيير النظر في قضايا الفساد !!! فانتزع من مجلس النواب, حلّ لجان التحقيق النيابية, وقيّد حركة هيئة مكافحة الفساد, وبدأ بعملية انتقام سياسي من خصومه الشخصيين والسياسيين, لينال, أخيرا, من البخيت, والحبل على الجرار.
ليس مصادفة أن يتم تكريم متهم كبير بقضايا فساد كبرى, وبدء الضخ الدعائي حول براءة شيخ المتهمين بالفساد والإفساد, بينما تتوجه المتابعات نحو شخصيات من لون سياسي واحد! وقد ابتلع الأردنيون واحدا واثنين ولكنهم, اليوم, غاضبون ويشعرون بالإهانة لأن الطلب بتجريد البخيت من الحصانة لمحاكمته, لا يعدو كونه انتقاما سياسيا فاقع اللون معروف المصدر والغايات.
الشعب الأردني يعرف أعداءه. ولن يمل ولن يكلّ قبل أن يرسلهم إلى السجون, ويسترد منهم ثرواته وأمواله ومؤسساته وأراضيه, بل قبل أن يسترد منهم قراره وسيادته على حياته ومصيره. وسيكون رد الحراك الأردني على تجاهل مطالبه المشروعة في تفكيك مؤسسة الفساد ومحاسبة أعضائها, هو الاتحاد على هدف مرحلي واحد هو الحرب على تلك المؤسسة, ملفا ملفا واسما اسما.
والبخيت ليس من أعداء الشعب الأردني, بل من أبنائه الذين لم يتحرروا, للأسف, من الإمتثالية السياسية. وها هو اليوم يدفع ثمن الولاء باهظا. هو اليوم مستهدف من قبل الذين خططوا وقرروا واستفادوا وأثروا وفككوا الدولة وتآمروا على الأردن. وهو درس بليغ يعلّم الأردنيين, على كل مستوى, أن الإمتثالية السياسية هي, في النهاية, محرقة للممتثلين.
ويبقى أن نسأل: ما هو السبب الذي من أجله يُعاقَب البخيت ?
أبسبب رفضه مشروع التجنيس والتوطين السياسي? أم بسبب لقاءاته مع قوى في الحراك الشعبي ومسعاه للتفاهم معها? أم بسبب نزوعه الوطني وميوله الاجتماعية والشعبية? ام بسبب تصديه لمساعي الإخوان للهيمنة على البرلمان المقبل ? أم بسبب مبادرته لتشكيل وفد أردني رفيع لزيارة دمشق والسعي إلى لعب دور في التهدئة والحوار في سورية الشقيقة على أساس رفض التدخل الخارجي والحفاظ على سلامة البلد العربي الجار? ربما بسبب بعض ذلك أو كله ... ولكن ليس بسبب الكازينو. العرب اليوم