يعجبني شباط هذا العام، ليس لأنه استوفى حقه بالصاع الوافي، وانتزع يوماً إضافياً، رغم أنف كل كبار الأشهر. فصار تسعة وعشرين يوماً (سنة كبيسة)، يعجبني ويبهجني أنه ظل متشبثاً بحبال المطر، وأصابعه على سمفونية الهطول، حتى آخر رمق فيه. الحمد لله.
في موروثنا الشعبي أن عجوزاً فرحت بانقضاء شباط الخباط، وقالت: راح شباط وغرسنا بعينه مخباط (خشبة غليظة كانت تستخدم لدق الحبوب، أو لغسل الملابس)؛ فغضب شهرنا الجميل شباط، وأخذ يستغيث بآذار: آذار يا ابن عمي، ثلاثة أيام منك، وأربعة مني، خلي العجوز توقد مغزلها والمكحار (خشبة رقيقة تستخدم في أفران الطابون(.
هذه الأيام السبعة المتجمعة من شباط وآذار، تسمّى المستقرضات، وكثيراً ما تكون باردةً جداً، ومتخمة بالمطر والثلج، مما يضطر العجوز التي أُسقط في يدها، وندمت على فرحها المتعجل بانقضاء البرد ورحيل شباط، أن تشعل أعزَّ ما تملكه، وهو مغزلها، ومحراك طابونها. وربما أسطورة هذه الأيام السبعة، أعني المستقرضات، تسربت إلينا من التقويم القبطي القديم الذي التفت إليها، وكانت تُدعى بالمستوفيات.
أهلا آذار. يا هذا الشهر الحاشد بأحلام ربيع يكتنز دحنوناً وفراشات وأقحوان ومسرات. صباح الخير يا أيها الحب المخبأ برجفة عطر خجلى، لحبيب سيطلع مثل نهار دافئ، عما قريب. صباح الخير يا آذار، فقد كنت يوم أمس أرواد ثلة غيمات بعيدات، علني أملأ قبضة من قطن ناصع البياض أحشو به وسادة رأسي. يااااااه بي شوق يا صديقي لحلم ثلجي يعيد دوزاني.
وستظل سيد الأشهر، ورأس الدنيا، يا وجه الخير، فيك من الشتاء حميمية، وفيك كمون بحضن الدفء اللذيذ المشرب بكسرة النعاس!. وفيك من الربيع نوّار وأزهار، وبعض طيور عجولة بكرت في غزلها. وفيك من الصيف شمس قد تلذع عين العصفور!، ومن الخريف أشجار عارية تحمحمت أكثر من مرة بليفة المطر.
آذار هو (مارس) في التقويم الروماني، ومارس هو سيد الحرب في موروثهم، وكان يمثله كوكب المريخ، صاحب اللون الدموي. ولكني أستغرب كيف ظلم هذا الآذار، وكيف ألصقت به علاقة الدموي الحربي؟!. آذار أوان الحب، الذي سيهزم كل حرب. فطاب ثلجكم، وطاب موسمكم.
الدستور