خرج علينا قبل يومين احد علماء الازهر بفتوى جديدة ، تبيح زواج المسيار في مصر ، وزواج المسيار له شروطه ، غير انه لا يشترط على الزوج الانفاق على الزوجة ، ولا المبيت في العش السعيد.
ومثل هذه الفتوى نقرأ عشرات الفتاوى ، المتناقضة ، بين العلماء ، في المذهب الواحد ، وبين المذاهب المختلفة السنية ، ثم المذاهب المختلفة الشيعية ، ثم بين كل هذه المذاهب بين بعضها البعض ، وينشغل كثير منهم في الحديث عن حكم الحناء في رمضان ، وحكم تقبيل الزوجة في رمضان ، او رقعة تخفيف النيكوتين التي توضع على الكتف وهل تبطل الصيام ام لا ، وكثير من القضايا ، التي تدل على ان بعض مصيبتنا هي في بعض علمائنا ، فالعالم وصل القمر والمريخ ، واسرائيل ابتلعت كل فلسطين ، والعراق على وشك التقسيم ، وجوعى العرب والمسلمين يمتدون من الصومال حتى المحيط الاطلسي ، ونحن ما زلنا نتحدث عن اهمية وثواب دخول البيت بالقدم اليمنى ، وانها افضل من اليسرى.
هل هذه التناقضات في الفتاوى الشرعية من جهة ، وانشغال العلماء في التفاصيل وترك القضايا الكبرى التي تواجه هذه الامة؟امر مدروس ام يأتي صدفة؟ولماذا لا نشهد ثورة اسلامية حقيقية على هؤلاء الذين اورثونا فقه ابريق الوضوء ، والذين انشغلوا طوال عقود ماضية ، في الفرق بين انواع الزواج السري والعلني ، ولماذا لا يقدم هؤلاء حلولهم لنا حول القضايا المعاصرة ، خصوصا في الجانب السياسي والاقتصادي ، ولماذا يتقافز الشيوخ علينا من شاشات الفضائيات ، بهذه الطريقة ، فلا تجد مشيخة الازهر ردا على هذا الوضع الا المطالبة بانشاء قناة جديدة تابعة للازهر من اجل الافتاء.
أليس حراما ان يتم تصغير الاسلام ، الى هذه الدرجة ، أليس حراما ان يتم خلق كل هذه المتناقضات والالتباسات في دين واضح وبسيط وغير معقد في اركانه او خطوطه ، ثم الى متى يأخذنا بعض من وصفوا انفسهم بالعلماء ، الى توافه الامور ، ولا نسمع لهم رأيا في ظلم الحكام او طغيان العسكر في دول عربية ، او السرقة او الزنى الذي ينتشر في الشوارع ، وقضايا الخيانة الملتبسة بالعمل لاجل الوطن ، ولماذا لا نسمع لهم رأيا تجاه الاحتلالات ـوتجاه فتنة العراق وفتنة فلسطين ، ثم لماذا اصلا نسمح بتداخل الادوار بين الحكم الديني ، وقضايا اخرى لا دور فيها اصلا للعالم الشرعي ، اذ لا يصح اصلا ان يقفز العالم في وجه كل قضية ويتنطح لها.
يقتل الناس في فلسطين والعراق ولبنان ، ويخرج علينا بعض العلماء للحديث فقط عن زواج المسيار ، والفروقات بين انواع الزواج ، وحرمة زواج المتعة او اباحته ، وهكذا ، ويسكت بعض العلماء مثل "النعاج" امام شرب الخمر في رمضان وغير ذلك من محرمات ، ولا نسمع رأيا حادا واضحا شجاعا تجاه كثير من المخالفات والقضايا الوطنية الكبرى ، بل على العكس تحول العلماء ، في بعضهم ، الى وسيلة لاثارة المزيد من الخلافات والاختلافات والتناقضات بين ابناء الدين الواحد ، فما اسهل كلمة "كافر" او "نصف مسلم" او"مشرك" يتم تداولها بين البعض ضد البعض الاخر.
ما يجري امر رهيب جدا ، وهو خطر من الاخطار الكبرى ، اذ انه بامكاني اليوم ان اجد عالما يفتي لي بما أريد ، فاذا حرم هذا زواج المسيار ، وجدنا من يحلله ، واذا حرم هذا الزواج العرفي ، وجدنا من يحلله ، وفيما هم يختلفون حول "الانكحة" تدق اسرائيل طبول الحرب لاقامة هيكل سليمان على انقاض المسجد الاقصى ، فقد ارحناها بجهلنا خير راحة.
لا ننكر شرع الله عز وجل ، ولا اهمية الرأي الشرعي ، ولكننا نتحدث هنا عن اولويات هذا الزمن ، وكيف نواجه التحديات؟