هم الذين يملون ما يقال عنهم!
في اسبوع واحد, ذكرى بهجت ابو غربية ومؤنس الرزاز. ذكرى اثنين تبدو في بعض دلالاتها واحدة.
هي المقارنة لا تستوفي اركانها, فليس من يقارب ابا سامي في تاريخه ونضاله ووعيه. وربما قل من يقارب مؤنس في ابداعه وصفائه.
هي حيرة القول بعد كلمات المشاركين في رابطة الكتاب حول الاول, وربما بعد ما قيل في ذكرى الثاني, لكنها حيرة منبعها صعوبة السباحة في المحيط, وكثرة المقهقهين في برك الفنادق.
اي محيط هائل هو بهجت ابو غربية? محيط الايمان والنضال, ربما كان له شبيه على خارطة النضال العربي, الغاصة باليابسة العربية, لكن يندر الشبه في عمق ومستوى المناقبية والوعي. ترهبني هذه السباحة, واغبط الزملاء الذين تحدثوا, انهم نجحوا في ان يقطعوا منها شوطا. شلال من عبر, لها تجوز انحناءة الجبين, لانها تعلم كيف يبقى الجبين عاليا.
ثلاث منها تتصدر زميلاتها التي تتدافع صاخبة صامتة, كما كان بهجت ابو غربية : الاولى سمو من يسمو على المناصب والمواقع والمنافع, ايمانا بان ما يرهن له حياته ولحظاته وفكره يعلو على كل هذه التي يتذابح لاجلها الذين ينتهون الى ذبح القضايا, وسفح الثوابت والمناقب. فكم تكون اكبر مما لا تلتفت له, وكم تكون اصغر مما تعدو وراءه او تسعى اليه. وحدها قضية الامة وقيمها تستحق ان تكون وراءها وان تقاتل لاجلها. حتى اذا ما تمكنت من هذه الوحدانية وجدت الجميع امامك صيصان حتى ولو حملوا عرف الديك. وكنت انت حارس الهيكل الذي يضمن عدم انطفاء الشعلة.
الثانية, ذاك الوعي الكبير بمعادلة الامل والتيئيس, واذكر يوم ترجمت ونشرت عبارة لجابوتنسكي في كتابه جدار الفولاذ : " سيظل هؤلاء الفلسطينيون يقاتلوننا كما يقاتل كل سكان اصليين المحتل, الى ان نتمكن من القضاء على اخر بارقة امل لديهم " - يومها اتصل بي ابو سامي قائلا : هذا هو الرهان الاساسي في النضال, انتبهي الى كل ما يمكن ان تجدينه في هذا السياق وركزي عليه سواء في مقالاتك او في ترجماتك او في ابحاثك.
كما اذكر انني يوم ترجمت كتاب »ارهابيو اسرائيل«, قال لي : هذا عمل جيد لكن لا يجوز تعميمه لان كثرة الكلام عن ارهاب العدو, او عن سيطرة لوبياته في الغرب, يمكن ان يؤدي الى احباط المعنويات في وقت نحتاج فيه الى رفعها.
من منا لم يتعلم من هذا المناضل المضيء?!
اما الثالثة فهي تلك التي تجمع بينه وبين مؤنس, المبدع المناضل, الذي لم تفقده معاناته او معاناة اسرته يوما الى التخلي عن خياره القومي,.
مؤنس السوري, مؤنس الفلسطيني, مؤنس الاردني, مؤنس اللبناني, ومؤنس العراقي, رغم جرح العراق في ذاكرة طفولته ونشأته. مؤنس الذي كتب عام ,1990 مع بدء ازمة بلاد الرافدين ان كل الخلافات الثانوية, تظل ثانوية عندما يطرح على الساحة التناقض الجوهري بين الامة واعدائها.
فكان بذلك وبفارق مساحة العمر, صوت جيل تتلمذ على جيل ابي سامي, استقى من نور جراحهم واصرارهم ووعيهم نسغ ابداعه, فوفَّى.
العرب اليوم