الجبهة الشمالية ستكون مصدر المتاعب للأردن في المدى المنظور. التطورات في الجارة سورية مرشحة لكل الاحتمالات؛ حرب أهلية طاحنة تمتد إلى الجوار اللبناني، أو تدخل أجنبي تنزلق معه المنطقة إلى حرب إقليمية لن يفلت من عواقبها أحد. واستمرار الحال في سورية على ما هو عليه لا يقل سوءا في نتائجه عن احتمالات الحرب والتدخل الأجنبي، بما يترتب عليه من تحديات أمنية وإنسانية، ليس أقلها ملف اللاجئين الذين تسجل الإحصاءات ارتفاعا مستمرا في أعدادهم.
الأردن بإمكانياته المحدودة لا يستطيع أن يتعامل مع جبهتين؛ شمالا وغربا. وأعني بالغرب الوضع على الساحة الفلسطينية.
فشل عملية السلام، وانسداد أفق استئناف المفاوضات هذا العام على أقل تقدير، يضعان السلطة الفلسطينية في مأزق يهدد بانفجار الوضع في الضفة الغربية، وربما انهيار السلطة.
ليس من مصلحة الأردن أن يحدث ذلك أبدا، خاصة في هذا التوقيت. الفوضى غربي النهر تعني كل الاحتمالات، وتستدعي استنفارا عسكريا وأمنيا مكلفا، ومواجهة مع مخططات إسرائيلية تُفرض علينا في توقيت غير مناسب.
لا نريد في هذه المرحلة أكثر من الهدوء غربا. وعلى الدبلوماسية الأردنية أن تلقي جانبا الأوهام عن استئناف المفاوضات مع إسرائيل حاليا، وأن تعمل بكل طاقتها لإنجاح المصالحة الفلسطينية، بما يضمن تنفيذ اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة بين حركتي حماس وفتح.
استئناف المفاوضات مع إسرائيل لا يضمن الاستقرار في الساحة الفلسطينية، لا بل إنها قد تكون سبباً في انفجار الوضع. وعلى المديين القصير والمتوسط، فإن مصلحة الأردن هي في استقرار الضفة الغربية وليس في المفاوضات، إلى حين انجلاء الموقف على الجبهة الشمالية.
وإذا ما اتفقنا على أن المصالحة الفلسطينية مصلحة أردنية، فإن ذلك يتطلب تكثيف الاتصالات مع قيادتي فتح وحماس. مع "فتح" أو السلطة خطوط الاتصال مفتوحة، لكن مع "حماس" لم يحصل أي تقدم في العلاقة بعد زيارة خالد مشعل ووفد المكتب السياسي لعمان الشهر الماضي. رئيس الوزراء عون الخصاونة، تحدث عن زيارة قريبة لمشعل إلى عمان، ومن المناسب التسريع في إجراء هذه الزيارة. كما ينبغي أن تتجاوز العلاقة بين الجانبين الطابع البروتوكولي، ويبدأ العمل على نقاط محددة، أولها دفع جهود المصالحة الفلسطينية على الأرض، وضمان تشكيل حكومة وحدة وطنية تؤمن الاستقرار في الضفة الغربية. يتطلب ذلك من الأردن تقديم كل أشكال الدعم الممكنة لاستمرار ونجاح الحكومة الفلسطينية، ومواصلة سياسة الانفتاح على القوى المؤثرة في الساحة الفلسطينية، وبناء علاقة قائمة على الثقة والمصالح المتبادلة مع تلك القوى، لأننا بهذا الأسلوب نستطيع أن نكون مؤثرين في المشهد الفلسطيني.
يكفينا هذا العام جبهة واحدة. ولا ننسى الجبهة الداخلية التي تحتاج هي الأخرى إلى ما يشبه حالة الطوارئ لعبور الأزمة الاقتصادية، وإنجاز خطوات الإصلاح السياسي، واستكمال حملة مكافحة الفساد على أمل تجاوز الأزمة المستحكمة بين الدولة والمجتمع.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد