في السنوات السنابل اليابسات، والبقرات السِّمان، اللواتي تأكلهن بقرات عجاف. وخلال عمليات شد أحزمة التقشف، المربوطة على أحجار التقنين. من المُحبب، بل من المفترض، أن يكون مسؤول الخزانة العامة، أو وزير المالية متجهماً عبوساً، عاقد ما بين حاجبين، لا يضحك لرغيف الخبز الساخن، ولا تدرج على لسانه وقلمه، إلا جملة واحدة وحيدة: لا أوافق. المزنية لا تسمح.
ذات سنوات مماثلة في تاريخ قريب، أراد الصدر الأعظم في الدولة العثمانية، أن يحصي المواشي، في كل الولايات التابعة له، فبعث إلى كل حكامها طالباً منهم أن يزودوه بعددها على جناح السرعة.
عندما وصل هذا (الفرامان)، إلى وال في ولاية نائية، التبس عليه الأمر وارتج، وإرتبكت وتشتتت افكاره، فهو لم يعرف تماماً فحوى هذا الطلب الغريب. ولكن ذكاءه استقر في النهاية، على أن الصدر الأعظم يريد معرفة عدد الأشخاص (الماشي حالهم)، والتي أمورهم منسجمة مع توحهات الدولة العلية.
ولأن أحد القضاة في هذا الولاية، لم يكن داخلاً للوالي من (زور)، ولا يمكنه هضمه مع عشرة لترات (سفن آب). فكر الوالي بأن الفرصة لاحت، وباتت مواتية؛ كي (يؤسفن) هذا القاضي، فبعث برسالة جوابة سرية، يخبر فيه الصدر الأعظم، أن الجميع والكل، في ولايته (مواشي) بإستثناء القاضي: كلنا مواشي يا جناب الصدر الأعظم، باستثناء القاضي!.
وزير ماليتنا المتألق، حاول بخفة دمه المعهودة، أن يكحّل ما قاله سابقاً، من أن إقتصادنا يسير على خطى الإقتصاد اليونان، الآيل للفلاس. الوزير عاود ليقول بأن تصريحاته، لم تفهم كما أراد. فأمورنا (ماشية)، وأن تحسناً يطرأ على اقتصادنا خلال العام، وأن الموازنة العامة إلى المسار الصحيح.
بعد هذا التصحيح الفصيح، التكحيل الخفيف الطريف للوزير، إنهالت على المواقع الإلكترونية، وصفحات الفيسبوك، عشرات الضحكات البرئية، والقفشات الذكية. فبعض المعلقين طالبوا أن يعرفوا نوع هذه الماشية.
وهل هي من السمار أم البياض؟!، أي هل هي من الضأن أم الماعز؟!. وبعضهم قالوا إنها (ماشية والرب راعيها) أو في قول مواز: (سارحه والرب راعيها). وبعضهم قال بدمعة: إنها ماشية، ولكن لا نعرف إلى أين؟!.