فضائح المرضى الليبيين في الأردن
ناصر قمش
27-02-2012 02:28 PM
لا يعيبنا أن تتحدث مستشفياتنا باللهجة الليبية و مقاهينا باللهجة العراقية أو السورية، ذلك أن اول سطر تم خطه في بناء الدولة الاردنية ، انها جزء من بلاد الشام ، وجزء من الهلال الخصيب ومن امتها العربية الواحدة من المحيط الى الخليج .
ولم يكن ذلك الالتزام القومي حبرا على ورق ، بل تمت ترجمته في كل المنعطفات والمفاصل، التي مرت بها الأمة العربية ابتداء من حرب الـ 48 والـ 67 حتى آخر قطرة دم في وطننا العربي .
ذلك عهد كتبه الاردنيون بدمائهم التي تجري في عروق اهل غزة، والعراق ولبنان وليبيا بعد ان قدموا الغالي والنفيس لنصرة القضايا العربية التي يصعب حصر وتعداد النبل الاردني في التعامل معها.
الا ان ما يستوجب التوقف عنده بالتدقيق والتمحيص، هو تخلف موقف فئة قليلة من الاردنيين عن الاجماع الوطني في الوقوف الى جانب الشعب الليبي الشقيق الخارج لتوه من محنة الاضطهاد والانكسار والقمع .
الشعب الليبي سطر واحدة من اعظم ملاحم التاريخ في الانتصار للحرية، والتخلص من الديكتاتورية التي كبلته لأكثر من 4 عقود عزلته عن امته العربية والاسلامية.
وفي الوقت الذي كان الاردن الرسمي سباقا في دعم الشعب الليبي، وتقديم المساعدات الطبية والانسانية من خلال ارسال اول مستشفى ميداني هناك، فإننا نسمع يوميا قصصا وحكايات تقشعر لها الابدان، حول الاستغلال الذي يتعرض له المواطن الليبي في الاردن من قبل مستشفيات في القطاع عندنا، وهو الأمر الذي اعلنه بكل وضوح وصراحة وزير الصحة د. عبد اللطيف وريكات ،عندما أكد وجود سمسرة في ادخال المرضى الليبيين للمستشفيات مما يسيء الى سمعة القطاع الطبي برمته .
ونقرأ على الفيسبوك في صفحة احد الاطباء الليبيين ما نصه" انا الطبيب : يعلى ابوالقاسم . المكلف من هيئة الجرحى بوزارة الصحة الليبية وبترشيح من المجلس العسكرى والمدنى بمدينة الزاوية..استلمت مهامي لمتابعة المرضى والجرحى بمستشفى ...... في عمان الأردن ..سعدت بخدمة ابناء شعبي في الغربة وما ان باشرت مهامي عرفت حجم المسؤولية ،ليس فقط لمتابعة المرضى انما كذلك تجاوزاتهم واهدارهم للمال العام وكذلك تجاوزات الاطباء الاردنيين حدود اعمالهم والاتجار بالمواطن الليبي .
ويقول الطبييب الليبي" لم اجد ملجأ لاشتكي اليه ولا عون لي فى هذه المحنة الا ان اكتب للرأي العام وبالتوثيق ما يجرى في الاردن من تجاوزات ..ليس لطلب المشاكل انما حرصا على نفسي من اشباه المرضى وما يكيدونه لي من مكائد لعدم موافقتي لهم بالتفويض المالي" .
ويمضي الطبيب الليبي" لهذا ..من باب الحفاظ على ما قمنا من اجله في ثورتنا التي رويت بدماء ابنائنا واحبابنا، سأقوم بعرض الفواتير والوصفات الطبية وسرد قصص واقعية حول مايجري من تجاوزات لإهدار مال الدولة العام باسم فضائح المرضى الليبيين في الأردن.
الطبيب نشر على صفحته وثائق تؤكد الاسعار الخيالية التي يطلبها اطباؤنا من هؤلاء بشكل يجافي أي منطق ويتجاوز كل الاخلاقيات المهنية .
قد يكون هنالك تجاوزات من المرضى الليبيين ولكن حلقة الاستغلال لا تكتمل الا بتواطؤ بعض العاملين في القطاع الصحي الاردني الذي يحظى بسمعة دولية مرموقة.
ما قاله وزير الصحة وما سمعناه من حكايات عن المبالغة والاستغلال من قبل المستشفيات الاردنية للمرضى الليبيين تسبب بردة فعل غير مريحة لدى المرضى الليبيين الذين يعتزمون العلاج في الاردن وتسبب بتغيير وجهة الكثير منهم للعلاج في دول اخرى بعد ان كانت الاردن تحظى بالأفضلية لديهم بسبب الكفاءات الطبية المتميزة، وطبيعة الشعب الاردني الطيب الذي يجتذب مجتمعا محافظا مثل الشعب الليبي .
الاردن يعد مركزا جاذبا للسياحة العلاجية بعد ان تم تصنيفه بالمرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من قبل خبراء البنك الدولي فضلا عن اعتباره من أفضل عشر دول في العالم في استقطاب السياحة العلاجية، بعد ان طور هذا القطاع نفسه ولم يعد هناك أي عائق لاستقبال مرضى من كافة دول العالم للعلاج بالأردن .
أن وصول الأردن في السياحة العلاجية إلى مستوى عال، مكّنه أن يكون مركزاً للاستقطاب العلاجي على مستوى منطقة الشرق الأوسط، اضافة الى ان مستوى الخدمات في المستشفيات يعد نموذجاً على مستوى العالم، بفضل الكفاءات الطبية عالية المستوى والقيادات الإدارية والخدمات التي يشهد لها على المستوى المحلي والعربي والدولي.
يعتقد الكثيرون ان الوجهة الوحيدة للمواطن الليبي للعلاج هي الاردن، وهو اعتقاد خاطئ ومغلوط ،ذلك ان اللجان الطبية في المجلس الانتقالي الليبي تترك الحرية لهؤلاء المرضى بتلقى العلاج في كل من: تركيا والمانيا، امريكا ،وبريطانيا، وايطاليا والصين، والهند ،والمغرب ،والكويت وليس الاردن وحدها، ما يترك الخيارات امام طالبي العلاج مفتوحا على كل البلدان .
وهذا يعني ان المجازفة بسمعة القطاع الطبي الاردني مجازفة بفرص قد تتولد لقطاعات اخرى يمكنها الاستفادة من وجود الاشقاء الليبيين في عمان .
هذه القضية التي اصبحت مثار جدل في اوساط المجتمع الاردني تفتح باب الاسئلة حول عدم تدخل وزارة الصحة والاجهزة الرقابية على التدقيق من الإجراءات الطبية التي تراعي اصول المهنة وشرفها والنأي بها عن الربح والاستغلال حفاظا على سمعة القطاع الطبي والفرص المتولدة عن قدوم الليبيين على الاردن .
لقد ترك استقبال الجرحى الليبيين مع بداية الثورة الليبية في المستشفيات الاردنية وعلاجهم مجانا أثرا بالغا على مكونات الشعب الليبي تقديرا منهم للموقف النبيل الذي اظهرته الحكومة والقطاع الخاص في التعاطي مع الثورة الليبية .
وزاد هذا الاحترام والتقدير بعد ارسال اول طائرة مساعدات الى ليبيا واقامة مستشفى ميداني هنالك .
الا ان انتهاء الثورة وما رافقه من قدوم الليبيين للاردن من شبهة استغلال بعضهم من شأنه ان يترك ندبة على سمعة القطاع الطبي .
ليبيا الآن تعد سوقا واعدة ويتوقع لها ان تحقق نسب نمو هي الاعلى في العالم بسبب غناها بالموارد الطبيعية ما قد يشكل فرصا استثمارية كبيرة للاردنيين هنالك خصوصا بعد اجراء الانتخابات البرلمانية المنتظرة
وهو الأمر الذي يتطلب من كل الجهات المحلية التعامل بمهنية وحرفية والابتعاد عن الاستغلال لضحايا الثورة ، ومعاملتهم كالمواطنين الاردنيين .
ان الرغبة بتحقيق ارباح طارئة في هذا الموسم يجب ان لا تعمي من يسعون وراءها عن العلاقات الاستراتيجية التي يمكن ان تتوثق مع ليبيا الحديثة سواء في المجال الطبي وغيره من المجالات التي سيكون الاردن شريكا اساسيا فيها في المستقبل .
الحكومة عندنا قادرة على ضبط التجاوزات وحماية القطاع الطبي من اقلية تريد تشويه صورته، والقضاء على فرص التعاون المستقبلية مع بلد يقبع على بحيرة من الثروات والفرص .
الدستور