المسيرات والتجمعات السياسية تستمر بنفس الوتيرة تقريبا، لكن السمة الأقوى للربيع الأردني هي الثورة المطلبية. كل القطاعات غاضبة ولا تتردد في التعبير عن نفسها، ولم تعد تخشى اللجوء إلى أكثر أشكال الاحتجاج قوة للضغط من أجل مطالبها. وقبل عام من الآن، ما كان يمكن تخيل إضراب عام للمعلمين كالذي أوصلهم إلى فرض تسوية هي أقرب كثيرا إلى ما يطالبون به مما عرضته الحكومة في مشروع الهيكلة. والهيكلة لم تكن أساسا مشروعا للزيادات، بل على العكس لتخفيض الامتيازات في الهيئات المستقلة، وإعادة رواتبها تحت مظلة نظام الخدمة المدنية، وإنهاء التشوهات في هيكل الرواتب، لكن جميع القطاعات رأت فيها فرصة لإشهار مطالبها وتحقيق أقصى ما يمكن لنفسها.
كيف نحكم على هذه الظاهرة؟! هل أنها تعكس أنانية ناسنا الذين يستغلون المناخ السائد فيفكر كل طرف في نفسه، وما يمكن أن يحققه لذاته من مكاسب بدل التفكير في الصالح العام والإصلاح السياسي والاقتصادي للبلد والنظام؟! يجب الاعتراف أن هذا صحيح وموجود، لكن هناك بعد إيجابي ثقافي ديمقراطي لا يمكن إنكاره، وهو التضامن من أجل مطالب تخصّ الجماعة، والقابلية للتصرف كجزء من مجموع من أجل قضية مشتركة ومن موقع الندّية الكاملة تجاه السلطة. هذه تحولات إيجابية من ثمار الربيع العربي ستمتد في السلوك العام للمواطنين إلى البعد السياسي، وتمثل دعما غير مباشر لمطالب السياسيين، ويجب أن يحسب حسابها بجدّ إذا لم تتمخض عملية الإصلاح السياسي عن نتائج حقيقية.
وأول ما يمكن التفكير فيه أن التلاعب بالانتخابات لم يعد أمرا مقبولا، ويترتب على أي محاولة للتزوير عواقب خطيرة أقلها عدم الاعتراف بالنتائج، وحدوث تمرد حيثما يحدث ذلك. وتقليديا، يحاول كل من خسر الانتخابات رمي الاتهامات بالتزوير، لكن بوجود آليات محكمة تحققها الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، فلا فرصة لأي ادّعاءات بالتأثير على القناعات العامّة التي تتبلور وغالبا ما يكون حدسها صحيحا.
والقضية الثانية هي أن يتحمل الناس مسؤولية القرار حتى لا تبقى المكاسب والحقوق لكل جهة موضوعا للضغط على السلطة الأبدية الموجودة سلفا؛ تمنح وتمنع ويعود لها الجميع بالشكوى أو الشكر ضمن صيغة النظام الأبوي القديم. إن اقتصاد اليوم ومجتمع اليوم لم يعودا يحتملان هذه الصيغة، ويجب أن تكون هناك حكومات منتخبة يتحمل الناس مسؤولية أدائها وقراراتها.
وهذه هي قضية الإصلاح السياسي المرتبطة جدليا بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهي ما يريد جلالة الملك عن حق أن يرى ثمارها مع نهاية هذا العام. إذن، يجب أن توضع أمام الشعب أهداف محددة وآجال واضحة، وكل من يفصل الثورة المطلبية عن الحراك السياسي ومخاطر المماطلة والالتفاف على الإصلاح يكون مخطئا، ويعرض البلاد للخطر.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد