فاتورة الكهرباء المجنونة .. !!
حسين الرواشدة
27-02-2012 02:17 AM
يجب ان نقول للمسؤول بصراحة :ان المواطن الاردني لم يعد قادرا على ان يتحمل”تكاليف المعيشة” واعباءها الباهظة، وان احوال الناس وصلت الى درجة من البؤس لا يمكن تصورها،وان اسوأ ما يمكن ان نفعله هو الاصرار على “تزيين” الصورة او تبريرها بالذرائع والحجج التي لا تعني المواطن ولا تقنعه،ما دام انه ليس شريكا في القرارات الخاطئة ولا يستطيع ان يدفع ثمنها الان.
معهم حق هؤلاء الشباب الذين اطلقوا حملة”لمقاطعة”تسديد فواتير الكهرباء،فقد اكتشفنا جميعا ان قيمة هذه الفواتير بعد زيادة الاسعار لاكثر من مرة وصلت الى ارقام فلكية لاتصدق،وان المسألة لا تتعلق فقط بفئة ذوي الاستهلاك المرتفع الذين قدرتهم احصائيات الشركة بنحو8 بالمئة من المستهلكين وانما تشمل معظم فئات المجتمع ،وخاصة اصحاب الدخول المتواضعة والفقراء الذين “سرقت” الفاتورة اكثر من ربع دخلهم الشهري.
عند مناقشة الموازنة ربط بعض النواب (تصويتهم) بالتزام الحكومة بالعودة عن رفع اسعار الكهرباء،لكن –كالعادة- انتهت المناسبة وخرجنا من المولد بلا حمص، والمواطن بالطبع لم يعد يثق لا بالنواب ولا بالحكومات مادام ان احدا لا يريد ان يسمع”انينه” ولا ان يفهم معاناته او يشعر بما انتهى اليه من عوز وحاجة .
رفع فاتورة الكهرباء لا يتعلق باستهلاكات المنازل فقط وانما سينعكس على المواطن من خلال ارتفاع السلع بنحو 15 بالمئة على اقل التقديرات، ولنا ان نتصور في ضوء الظروف الاقتصادية الصعبة ما يترتب على المواطن ان يدفعه سواء على صعيد فاتورته المنزلية التي تضاعت قيمتها او على صعيد فاتورة مشترياته التي سترتفع لانه بالتالي هو من سيتحمل اي ارتفاع يطال قطاع التجارة او الصناعة او غيرهما من القطاعات.
للاسف اصبح المواطن “ملطشة”لقرارات واجراءات حكومية لا تنظر لمعاناته ولا تقيم وزنا لظروفه الصعبه،وكأنها تدفعه دفعا الى الاحتجاج والى الامتناع عن تسديد التزاماته،ولنا هنا ان نتصور ما يمكن ان يحدث لو امتنع الناس عن دفع فواتير الكهرباء،مع ان البعض لا يملك قيمتها اصلا.
للاسف ايضا ثمة نخب توجه النقاش العام الى قضايا سياسية لحساباتها ،دون ان تلفت الى معاناة الناس وهمومهم الحياتية،ومع الاحترام لكل سجالاتنا حول الاصلاح وضروراته الا ان من حق المواطن ان يجد من يدافع عن فقره وجوعه ومن يقف ضد هذا التغول على جيبه ودخله المتواضع الذي تآكل ولم يعد يكفي لتغطية احتياجاته الاساسية .
في ظل الاحتقانات التي تتغلغل في الشارع والاحباطات التي وصلت الى طريق مسدود من حقنا ان نسأل:الى اين يريد هؤلاء ان يأخذونا؟ ولماذا يتصورون ان اشغال المواطن بالمتطلبات الحياتية ودفعه الى اللهاث خلف فاتورة او اقساط مدرسة او اجرة بيت ..الخ سيمنعه من المطالبة بحقوقه السياسية ،او سيلهيه عن المطالبة بمحاسبة الفاسدين الذين كانوا وراء هذه الازمة المالية التي افسدت حياتنا واعجزت موازنتنا وحولتنا الى متسولين؟
لا ذنب للمواطن الاردني فيما حدث من اخطاء،ولا جدوى من اقناعه بالواجب الذي يفترض ان يدفعه بدل ان يدفعه من اخطأ ومن خصخص ومن نهب ،واذا كان المطلوب منه ان يترفع عن جراحه وان يطوي صفحة الامس فلا اقل من ان يحاسب الجميع وتعود الاموال وتصحح الاخطاء ويصبح الجميع شركاء في المغنم والمغرم معا.
فاتورة الكهرباء المجنونة ليست الطلقة الاخيرة ضد جيب المواطن،فثمة على الطريق قرارات اخرى تستهدف انتزاع ما تبقى في هذه الجيب الفقيرة،ابتداء من تحرير اسعار المشتقات النفطية ورفع الدعم عنها و عن السلع الأساسية الى رفع الاعفاءات عن بعض السلع الأخرى.. والحبل على الجرار ،ولا ضبط ولا رقابة على عامة اسعارالسلع حماية للمواطن .فأخشى ما اخشاه هو ان نفأجأ باعتصامات واضرابات اخرى،لا تشبه فقط ما فعله المعلمون والاطباء والعمال وانما تمتد الى اخرين كثر “زلزلتهم”فواتير الكهرباء وافقدتهم قدرتهم على الدفع والصبر ..وعلى انتظار الفرج السياسي ايضا ،هذا الذي تأخر اكثر مما يجب..!
الدستور