وجيه غالي, أصدر رواية يتيمة نشرت باللغة الإنجليزية عام 1964 ، وانتحر بعد خمس سنين, في لندن, تاركاً أثراً لن يُنسى, كأن جنازته لا تزال سائرة إلى قبر مجهول.
تعرض روايته "بيرة في نادي البلياردو" لمصر في خمسينيات وستينيات القرن الفائت, ويكتبها بسخرية لاذعة من السلطة وزيف الطبقة الأرستقراطية التي ينتمي إليها, لا تخفي عمقاً معرفياً يظهر من مقاربته للأحداث واستحضاره رموز الثقافة والفن والسياسة.
السياسة تطغى على أغلب حوارات الرواية, التي تبدو غنية, بسبب انغماسها بفكاهة شعبية تُولد من رحم المأساة والفقر واللاجدوى, ولأنها تعكس أسرار طبقة فاحشة الثراء من منظور أحد أفرادها الخارجين عليها وعلى القانون والمجتمع.
"خروج" لا يركن إلى حقيقة بعينها, فبطل الرواية "رام" دائم النقد سواء لنظام عبد الناصر, الذي أيّده في البداية, ولعلاقات أسرته وأقاربه مع الفلاحين, وللثقافة الإنجليزية والأوروبية عموماً, ولا تسلَم شيوعيته كذلك من النقد القاسي.
صدق الرواية يكمن في نقد الناصرية وأعدائها في مراجعة تاريخية تعكس إلماماً تاماً بالثقافة الأوروبية, وأعمال اليسار وآثارهم, والواقع المصري, وهو ما يمنحها الاقناع والتأثير.
"اقناع" ينطلق من مساحة رومانسية وعدمية, ويعبر عن نموذج السياسي الذي يتبناه البطل, في إطار رفضه المطلق للسلطة في وجوهها كافة.
أُكتشف وجيه غالي - فجأة - بعد عقودٍ على موته, فترجمت هناء نصير روايته عام ,2006 للمرة الأولى إلى العربية, ولا تزال معروفة في أوساط محدودة.
أهمية الرواية تتأتى من راهنيتها رغم أنها تناولت أحداثاً جارية في عهد عبد الناصر, لكن نظرة الكاتب المتفحصة والمختلفة والجذرية تجاهها, تجعل عمله متجددا على الدوام, وتصلح نكاته السياسية للعصر الحالي وتنطبق على الساسة الجدد.
"النكتة" هي أحد أسرار الهوية المصرية ومكوناتها الأساسية في عملٍ يقدّم نماذج قبطية ويهودية ومسلمة وتركية ويونانية ويمينية ويسارية وقومية ليظهر وجاهة رأيه, وبراعة بطله في التهكم منها.
"تهكم" لن يُمحى من ذاكرة قارئ سيعتقد أن غالي, لم يتوقف عن عبثه, حتى اللحظة, ب¯"بطل سكّير" يحطم خطاب السلطة, ولا يملّ من إطلاق سخريته تجاه الكون كلّه.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم