عن الشيخ حسن الترابي .. بالمناسبة!
محمد خروب
06-10-2007 03:00 AM
لا يريد المرشد الروحي السابق لثورة الانقاذ التي قادها الجنرال عمر حسن البشير في 30 حزيران عام 1989 ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة، الشيخ حسن الترابي مغادرة المسرح السوداني وخصوصاً باب الافتاء، فهو يقاوم محاولات الاقصاء السياسي الذي يمارسه خصومه (وهم كثر) ضده، واذا ما وجد نفسه بعيداً عن الساحة السياسية فانه يذهب باتجاه الافتاء، الذي يبرع فيه رغم انه استاذ فلسفة، الا انه فرض نفسه رجل دين وثورة ذات طابع اسلامي وخاض تجربة في الحكم مع الجنرالات، صحيح انه خرج منها مطروداً وخاسراً بعد ان تم الزج به في بيوت الاشباح الذي اجبر خصوم ومعارضي ثورته على الدخول فيها، حيث مورست ضدهم اسوأ وابشع انواع التعذيب والانتهاكات الفظة لحقوق الانسان، ما اضطر منظر ثورة الانقاذ السابق في النهاية وبعد الخراب العميم الذي زرعته فتاواه وتنظيراته في السودان، الى القول ان الثورة قد ارتكبت الخطايا، وانه ما كان ليقدم على ما اقدم عليه لو انه كان يعرف ان الامور ستنتهي الى ما انتهت اليه..كلام لا رصيد سياسياً او اخلاقياً له، وهو كلام لا يرقى الى مستوى المراجعة والنقد الذاتي والاعتراف بنصيبه في هذه الاخطاء، والاستعداد لدفع الثمن ولهذا يمكن القول ان الشيخ الترابي انما يذهب في هذا الاتجاه لشراء الوقت، بعد ان انحسرت هوامش مناورته، وبعد ان فقد ما تبقى من حضور سياسي وحزبي، في المشهد السياسي والحزبي السوداني، معللاً النفس بامكانية عودة البريق الى نجمه السياسي الآفل، في ظل الازمات المتلاحقة التي تعصف بنظام البشير مترافقة بضغوط دولية هائلة تستهدف هي الاخرى تحقيق مكاسب خاصة من وراء التضخيم المقصود لأزمة اقليم دارفور، الذي لا يمكن لامرىء ان يعفي النظام السوداني من مسؤولياته ازاء تدهور الاوضاع والسماح بايصالها الى مرحلة التدويل، بكل ما يعنيه ذلك من انتقاص للسيادة الوطنية وتمرير لمشروعات وخطط خطيرة تأخذ في الاعتبار التقسيم والهيمنة و..
الشيخ حسن الترابي يعود هذه المرة ايضاً، من نافذة الفتاوى الدينية بعد ان ضاقت عليه ابواب السياسة ووجد في شهر رمضان وخصوصاً ليلة القدر، مناسبة لاثارة زوبعة من الجدل والسجالات الكلامية المتكئة دوماً على مرجعيات وابعاد دينية، كما كانت حاله عندما افتى بجواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة، وشهادة المرأة وشرعية زواج المسلمة من غير المسلم ،الكتابي، سواء كان مسيحياً او يهودياً، تذكروا ان هذا الرجل هو صاحب قانون تطبيق الشريعة الاسلامية في جنوب السودان اجباريا .
بالأمس خرج علينا المرشد الروحي للانقلاب العسكري الذي اطلق عليه اسم ثورة الانقاذ، بفتوى جديدة ينكر فيها على المسلمين ممارساتهم وافكارهم عن ليلة القدر ويقول ما نصه: ان المسلمين يتوهمون ويعيشون في الاحلام وينتظرون ليلة القدر لتأتي لهم بالنعم.. مفسراً الآية الكريمة: انا انزلناه في ليلة القدر .. بأن ليلة القدر ليست للأماني، وليس هناك شيء مادي اسمه ليلة القدر، وانما هي مناسبة تشبه العيد، مثلها مثل غزوة بدر والتي كانت مناسبة فاصلة بين الايمان والكفر.. غيرت مسيرة البشرية كلها..
لست فقيهاً ولا متبحراً في علوم الدين وتفسير القرآن والاحاديث كي ادخل في جدل ونقاش حول ما ذهب اليه الشيخ الترابي في فتواه الخلافية هذه، والتي تخرج على مألوف ما درج عليه المسلمون في فهمهم لمعنى ودلالة ليلة القدر.. ولم أكن اقصد ان أركز على هذه المسألة في عجالتي، انما اردت الاضاءة على اسلوب الصدمات الذي يلجأ اليه هذا الرجل لاستدراج الردود او لاثارة نقاش جديد حول مسائل عديدة يبدو ان الوقت قد حان لفتحها وعدم الابقاء عليها مغلقة او اعتبارها تابو يضاف الى سلسلة التابوهات التي تكبل حياتنا وسلوكاتنا في هذه المنطقة من العالم وخصوصا بهويتها وامتدادها الاسلامي..
اردت بحق، ان اقف عند إنتقاد الترابي لطريقة تحري هلال شهر رمضان عبر الرؤية المجردة (بالعين) عندما قال الامر متعلق بحساب فلكي وليس لمجموعة من الشيوخ يجتمعون في المساء ويصدرون فتوى ثبوت الشهر او عدمه.
للترابي أن يجتهد كما لغيره مثل هذا الحق، لكن السؤال الذي يطرح على هذا النفر من المجتهدين الجدد هو لماذا يبدون انفتاحا مفاجئا على مثل هذه القضايا (على اهميتها ودلالات ما يذهبون اليه) فيما هم منغلقون على أي مقاربات، تذهب في اتجاه دمقرطة الحياة السياسية والمطالبة بفصل الدين عن الدولة (أي عدم وجود دور لرجال الدين في الشأن السياسي وليس كما يزعمون ان المقصود هو ابعاد الدين عن حياة المجتمع) كذلك في اعتراف تيارات الاسلام السياسي بمبدأ تداول السلطة على نحو سلمي والاحتكام لصندوق الاقتراع لحل الخلافات السياسية ونبذ العنف وعدم اللجوء الى اطلاق الفتاوى.. فتاوى التكفير والتخوين وادعاء الحكمة واحتكار الحقيقة وتنصيب انفسهم (دون حق او انتخاب) ممثلين للسلام والناطقين باسمه.
فهل يقدم الترابي على طرح مثل هذه المقاربات الشجاعة التي تفيد الناس في حياتهم وتسهم في تيسيرها، كما يفعل منذ فترة ليست بالقصيرة في اثارة كل هذه الزوابع حول موضوعات لا نحسبها اكثر أهمية من سؤال الحياة وتعقيداتها؟.
kharroub@jpf.com.jo