هل دفع الشيخ أغاسي ثمن خطابه ؟
05-10-2007 03:00 AM
قبل أربع سنوات تقريباً كنت أقف بجانب محل لبيع الأشرطة الإسلامية فسمعت محمد قول أغاسي للمرة الأولى وكان عنوان المحاضرة "دموع التماسيح"، اشتريت "سي دي"، وعدت في اليوم الثاني لأشتري "سي دي" مضغوطا يحوي كل محاضراته، والتي استمعت لها خلال شهر واحد مع أن عددها ينوف على المائة.
لفت انتباهي هذا الخطيب الشاب فهو يسلبك بحديثه وبلاغته الكلامية والتي تفوق عمره كثيراً، ويحفظ الكثير، لغته مضبوطة، قادر على إشعال العواطف وربطها مع الأحداث بطريقة غير تقليدية يسيطر على المستمع. يختلف عن دعاة الأشرطة الآخرين في طرحه السياسي، فهم يحصرون كلامهم في الحدث التاريخي بينما هو يربطه مع الأحداث الحالية، أسلوبه قريب من الشيخ المصري عبد الحميد كشك.استفسرت عنه كثيرا، وتوقعت في البداية أنه من جيش أنصار السنة أو يتحدث من باكستان، ولكني ذهلت عندما عرفت أنه يلقي تلك الخطب النارية في أحد مساجد مدينة حلب، وأثار إعجابي صغر عمره ففي تلك الفترة كان في بداية عقده الثالث، وسرعان ما تبين لي أنه لا يملك عمقا أو رسالة فكرية مؤدلجة بنيوية، لكنه يمتلك خطابا يقترب من الطرح السلفي الجهادي، يعتمد على قوة الصوت والزج بعشرات الآثار والقصص، ومقابلتها بحال الأمة الحالية.
هنا بدأت الإشكالية، فسورية دولة علمانية يحكمها حزب البعث المعروف بضبطه المتشدد لأي نشاط ديني- سياسي سيما بعد أحداث مدينة حماة، وخطب أغاسي ومحاضراته لم نعتد على سماع مثلها في سورية.
انتشرت ظاهرة أغاسي فيما بعد سيما أن محاضراته مادة تجارية دسمة، وكلامه يؤجج مشاعر الناس في فترة يشاهدون فيها على الفضائيات دولة العراق وهي تعاني من التدمير والتعذيب في سجن أبو غريب وغيره، فظهور أغاسي كان في فترة عصيبة، إبان احتلال الولايات المتحدة، والناس تريد الاستماع لمثل هذه الخطب التي كان من الممكن أن تكون اعتيادية لو ظهرت في غير تلك الدولة.
فترة وجيزة وبدأت العقدة تنحل! فعشرات المواطنين العرب يتوجهون من سورية إلى العراق للالتحاق بالقاعدة، وصار من الواضح أن سورية تحاول دعم الفصائل المسلحة في العراق لإنهاك الاحتلال الأميركي حتى لا يمتد نحوها، وظهر تفسير آخر بأن سورية تحاول أن تظهر للعالم الغربي أن وراء نظامها العلماني شعبية كبيرة لخطاب سياسي إسلامي سيكون بديلا فيما لو أزيح النظام العلماني القومي.
فيما بعد اتجهت تلك الدولة إلى تغيير منهجها، عبر ضرب بعض مواقع التجمعات الجهادية مثل جند الشام، وإغلاق الحدود مع العراق، حتى تحدّ من الاتهامات الأميركية واختفى خطاب محمد قول أغاسي عن الساحة الاعلامية واختلف مضمون خطاباته التي يلقيها في المسجد، ولم نعد نسمع له تلك الخطابات النارية التي كانت تتزامن وتتوافق مع الخطاب السوري الرسمي.
مقتل الشيخ الظاهرة أبي القعقاع يقع بصورة كبيرة بين قراءتين: الأولى باتجاه ما كتبه محمد أبو رمان في الغد بعنوان "من قتل أبا القعقاع؟"، ويرى فيه أن أغاسي صناعة حكومية عندما انتهت الحاجة إليه تم التخلص منه.
تحليل أبو رمان واقعي جدا، لأننا أمام عشرات الحالات التي استُغل فيها الإسلاميون، فالقاعدة التي كانت مدعومة أميركيا حوربت من الجهة نفسها، والأخوان المسلمون وقفوا بجانب نظام عبد الناصر ومن ثم تم الفتك بهم من نفس الشخص، ومعظم قادة القاعدة الذين دخلوا العراق لإثارة النعرة الشيعية تم تصفيتهم في الوقت المناسب، وكذلك الجهة التي أدخلت فتح الإسلام إلى مخيمات لبنان انقلبت ضدهم.
القراءة الثانية التي سادت إعلاميا أن الرجل قتل جراء انقلاب خطابه من ثوري داعي إلى الجهاد إلى داعية وسطي معتدل يشابه الليبرالية السلفية الجديدة، وهذا ما لن يتقبله الذين كان يحرضهم بخطاباته نحو العراق ولذا قتله أحد المواطنين السوريين القاطنين في ريف دمشق، وهو أحد المحاربين الإسلاميين في العراق، بحسب تصريح الشيخ سمير محمد غزال أبو خشبة لصحيفة الحياة اللندنية.
بعيداً عن هوية قاتله، فهناك فرق كبير بين ظهوره الثوري وبين ظهوره المختلف على قناة العربية في برنامج نقطة نظام (بتاريخ 306/ 2006)، فقد ذهلت بأبي القعقاع يظهر بخطاب ليبرالي وسطي مختلف تماما عن ذي قبل، هذا سيستوعبه من أدرك توجه خطاب أغاسي، لكن طلابه الذين تربوا على تلك الأفكار الجهادية، قد اعتبروه مرتدا، بحسب ما علمهم قبل إرسالهم إلى "دولة العراق الإسلامية" حسب مفهوم الحركات الجهادية!
هل كان أبو القعقاع ضحية لفترة سياسية لم يستوعبها تماما مثله مثل باقي الحركات الإسلامية الجهادية التي لا تنظر أوسع من المرحلة التي تعيشها. أم حصد أثر الخطاب الديني السياسي الذي يصب بعقول الشباب أن من لا يحمل السلاح فهو كافر، ولم يعلموهم لغة الحوار والانفتاح على العالم!
Omar_shaheen78@yahoo.com