تسمين المُسمنين وهيكلة المُهيكلين
أ.د. أمل نصير
22-02-2012 03:45 PM
* (المؤسسات المستقلة والمعلمون نموذجا)
المعلم هو ذاته في الروضة والمدرسة والجامعة من حيث شرف المهنة، ومشقة العمل، والأجر المتواضع، وهم جميعا باتوا يعانون من ضيق ذات اليد، فتراهم يجمعون بين غير عمل أو يهجرون الوطن، بسبب تآكل رواتبهم رغم تصاعد مصاعب مهنتهم.
لقد أدت الظروف الاقتصادية للمعلم إلى تراجع كبير لدوره حتى بات الملوم على تراجع مهنة التعليم حتى من قبل أهالي الطلبة، في الوقت الذي نجد فيه هؤلاء عاجزين عن ضبط أبنائهم في البيت، ويكثرون من الشكوى من سلوكهم، بل أكثر من ذلك يتذمرون من أيام العطل، ويحتفل بعضهم بيوم العودة إلى المدارس، لكن لا أحد يسأل عن معاناة المعلم في صفوف مكتظّة يُحشر في بعضها ما يزيد عن 50 طالبا، وفي الجامعة أحيانا عن 100 طالب، في ظروف الحر والقرّ، مع كل ما عليه بعض الطلبة من عدم الانضباط، وما تقدمه التكنولوجيا الحديثة من وسائل اللهو والتسلية داخل غرفة الصف!
أما برنامج حصص المعلم، فهو كثيف يضغط على العينين والحنجرة والقدمين، وبعد يوم مرهق يأخذ أحمالا من أوراق التصحيح وجداول العلامات..... معه إلى البيت! وبعد ذلك يحاسب على النتائج من قبل الأهل، والإدارة، ومفتشي التربية، ناهيك عن أي مشكلة يفتعلها أحد الطلبة لتحصيل مغنم في العلامة أو ابتزاز للمعلم أو مشاكسة له.
إن مهنة التعليم من المهن القليلة التي يبذل فيها غالبية المعلمين جهدا كبيرا؛ لأن المعلم لا يمكنه الانشغال عن عمله حتى لو أراد ذلك، فهو حينها سيبذل جهدا مضاعفا في ضبط الصف، في حين أن بعض الموظفين يمكنهم أن ينشغلوا في المكتب بأي شيء بما في ذلك شرب القهوة، وتصفح الإنترنت....
لقد اكتفت الحكومات المتعاقبة بالتغني بشرف مهنة التعليم، وأهميتها، وجعلتها في عل، أما عند تحديد الأجور فإنها تجعلها في الدرك الأسفل، ومن حقّ المعلم أن يسأل لماذا تصل رواتب بعض المدراء في بعض المؤسسات إلى ما يزيد عن عشرين ألفا مع كل الامتيازات الأخرى من سيارات وسائقين وسفرات ومياوات... ؟!
وكيف يصل رواتب بعض موظفي المؤسسات المستقلة إلى بضعة آلاف مع كثير من الامتيازات.... وأغلبهم لا يتميّز عن غيره في شيء، وكيف تكون الحكومة قادرة على دفع رواتب هؤلاء وبدل امتيازاتهم التي تشكّل جزءا كبيرا من ميزانية الدولة، ولا يمكنها رفع علاوة المعلمين؟! ألم توجد الهيكلة من أجل معالجة الاختلالات بين رواتب القطاع العام والرواتب المتورّمة؟! أم أنه يحق لهؤلاء الاعتصام، ومن ثم رضوخ الحكومة لطلباتهم، ولا يحق هذا للمعلمين؟! وكيف يمكن للحكومة التباكي على مستوى المُسمنين المعيشي ورفاهيتهم التي تعوّدوا عليها، فتصرّح بعدم جواز تخفيض رواتبهم؛ لأنها أصبحت حقّا مكتسبا لهم، ولا يحق لغيرهم عيش الكفاف متعللة بعجز الميزانية؟!
ألم تسأل الحكومات المتعاقبة نفسها كيف سمحت للفاسدين بسرقة الملايين؟! وكيف ومن أين مُوّلت هذه السرقات؟! ولماذا ما زالت مترددة في استعادتها منهم؟! في حين تتباكى اليوم على ميزانية الدولة العاجزة؟! ألم تسأل عن المال الذي يهدر على نفقاتها ونفقات مجالسها وسفراتها.....بدلا من الاكتفاء بالتحذير يونان في أخرى؟! هل المعلم هو المسؤول عن ما آلت إليه ميزانية الدولة أم الفساد وسوء التخطيط والعجرفة في التعامل مع المواطنين، وتقسيمهم إلى مؤسسات مستقلة لأبناء الذوات ومعارفهم تُرسّخ في أغلبها صورة الفساد والطبقية، وقطاع عام ينوء بحمله الثقيل، وفقره الشديد؟!
إذا كانت الحكومة قادرة على إقناع المواطنين بذلك، فسيعلّق المعلمون إضرابهم، ويقدمون ما في جيوبهم فداء للوطن ككل أشراف الأردن أما إذا كانت الحكومة طامعة بصبر المعلم وغيره من المواطنين القابضين على الجمر، ولا يجدون قوت يومهم لأجل تسمين المُسمنين، وتمويل الفاسدين، فأظن القطار قد فاتها هذه المرة.
لا أحد يرضى أن تعم الفوضى أرجاء الوطن، ولا أحد يرغب برؤية الاستقواء عليه، لكن هناك حكومات استقوت على المواطن والوطن معاً، فباعت منجزاته بثمن بخس، وعرضت ما فوق الأرض وتحتها للخطر، وخانت أمانة المسؤولية مرارا وتكرارا، وتعاملت بالتزوير والغش، واعترفت بذلك على مرأى من المواطن ومسمعه، وسمحت للفاسدين والفاسدات بالهرب أمام عينيها... فأضعفت الدولة، وضيعت هيبتها، وقهرت المواطن لسنين طويلة، فماذا نتوقع بعد ذلك كله؟! أمزيدا من الصبر والسكوت أم مزيدا من الفوضى والاضرابات ؟!