هل تنسى فلسطين في افقها القومي, لتتواصل حيويتها على ساحات العالم ?
طوال السنوات الماضية, خاصة بعد سقوط العراق, كنا نستغرب في اوروبا الحيوية الكبيرة التي تشهدها الانشطة المؤيدة لفلسطين من قبل مئات الجمعيات والتجمعات الشعبية والطلابية وحتى من قبل بعض البرلمانيين من مثل المناضلة عالمة بومدين عضو مجلس الشيوخ الفرنسي والبرلمان الاوروبي, وذلك رغم النفوذ القوي للوبيات اليهودية المؤيدة لاسرائيل, ومسارعتها لتطويق ومحاربة كل نشاط,. محاربة لم تكن دائما تنجح كما حصل في محاكمة عالمة بومدين على نشاطها في حملة مقاطعة بضائع المستوطنات الاسرائيلية, ضمن ما بات يعرف في الغرب بـ " الحملة الدولية للمقاطعة لعدم الاستثمار والعقوبات " حيث اضطرت المحكمة امام الضغط الشعبي الى التهرب عبر اصدار حكم بعدم الاختصاص. وحاليا تدور معركة مشابهة في جامعة باريس الثامنة, حيث نظم التجمع الطلابي لاجل فلسطين نشاطا بعنوان: " مقاربات جديدة سوسيولوجية تاريخية وقانونية للنداء الى مقاطعة اسرائيل دولة التمييز العنصري الابارتهايد ". يحصل الطلاب على الترخيص باسم حرية التعبير وبشرط احترام الموضوعية وعدم المساس بالنظام العام ومن ثم يحصلون على التمويل ويوجهون الدعوة ليوم 28 شباط الحالي. لكن المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا ( كريف ) يسارع الى الاعتراض, مما يجعل رئيس الجامعة باسكال بن اسحاق يلغي النشاط بحجة ان عقده سيمس بالنظام العام ويستفز تظاهرات مقابلة. لكن الطلاب لم يستسلموا وهددوا باللجوء الى القضاء, هنا استنفرت المنظمات اليهودية الاخرى من مثل المكتب الوطني لمراقبة اللاسامية الذي هدد بتقديم دعوى قضائية ايضا.
بذلك اندلعت معركة سياسية قانونية يتحجج فيها طرف بحرية التعبير والطرف الاخر بادعاء ان عنوان المؤتمر يتعارض مع القانون الجزائي الفرنسي الذي يمنع التمييز العنصري عرقيا كان ام دينيا. معركة لا تستطيع الصحافة الفرنسية تجاهلها فتكتب عنها كبريات الصحف من مثل لوموند وفي انتظار النتيجة يعقد الطلاب طاولة مستديرة يشارك فيها الناشط عمر البرغوثي حول ما بات يعرف في الغرب بـ " الحملة الدولية لمقاطعة عدم الاستثمار والعقوبات "
ورغم ان المؤشرات تدل على ان الطلاب لن يستطيعوا تنفيذ مؤتمرهم, خاصة ان هناك سابقة قانونية حصلت في اذار ,2011 عندما اندلعت ازمة مشابهة في الايكول نورمال سوبريور ويومها قضى مجلس قضاء الدولة بان رفض الجامعة اعطاء قاعة للتجمع الطلابي لاجل فلسطين, لعقد مؤتمر مشابه, لا يشكل مساسا بحرية التعبير - رغم ذلك فان هذه الحيوية, خاص وان من عرف العاصمة الفرنسية يعرف انها لا تقتصر على الطلاب تدلل على مسألة مهمة هي ان تصفية القضية الفلسطينية ليست بالسهولة التي تصورها الاحداث الراهنة. خاصة الايحاءات التي تسقطها الثورات العربية,التي توحي وكأن الشعوب العربية اثرت الانكفاء على الشؤون الداخلية لكل قطر, وفي هذا الداخل بدا وكأن الهمّ الاساسي للقوى التي حكمت الثورات, بعد الوصول الى الحكم, هو التعتيم على التيارات القومية ايا يكن نوعها. مما يعني بالتالي صرف النظر عن الموضوع الفلسطيني الذي لم يعد قضية العرب الاولى, لان العرب لم تعد لهم قضية مشتركة اللهم الا التآمر بعضهم على بعض. بل والتآمر على حلم التغيير الحقيقي نحو التحديث والتحرير والاتحاد, الى واقع تتناهش فيه انيابهم الجسد المريض, كل بما ملكت قوته او قوة حلفائه.
عبثا انتظرنا من " الثوار " خطابا عن فلسطين, فالليبراليون منهم غير معنيين كثيرا به والاسلاميون فاجأونا بتخليهم عنه, رغم اننا طالما وقفنا في صفهم لاجله, اما القوميون, فخنق صوتهم وخطابهم.
لكننا لم ننتبه الى ان الاصوات الاعلى ليست هي الاصوات الاكثر حقيقية وتمثيلية, وان الصحيح لا بد وان يصح, بل وان قضية فلسطين هي قضية التاريخ والناس قبل ان تنشأ الاحزاب والمنظمات, بما فيها الفلسطينية. ولذا تلوح فجأة امور صغيرة تعطي دلالات تقول ان التاريخ اطول من مدى رؤانا المحكومة باحباطات الحاضر.
العرب اليوم