يذهب من يذهب ليحاول اقناع الحكومة، ان غطاء الحماية مرفوع جزئياً عنها هذه الايام، لغايات محددة، وان هناك حملة يتم تنفيذها في بعض مؤسسات الدولة، لتشويه سمعة الحكومة، واسقاطها وعرقلتها، او معاقبتها قليلا على نزعتها الاستقلالية.
هذا تفسير سطحي للاشياء، لان لا حملات منظمة بوحي من اي مؤسسة رسمية ضد الحكومة، لا.. عبر الرسائل القصيرة، ولا عبر اي وسيلة اخرى، لان الظرف حساس جداً ولا يحتمل اساساً التحريض على الحكومة، والتلاعب باستقرار البلد.
التفسير الذي يقال للحكومة حتى ترتاح اليه وتسكن في ظلاله، يراد منه رفع كلفة الفشل، في بعض الملفات، وكلفة سوء الادارة، وخلف هذا التفسير عدم وعي بطبيعة التغييرات التي باتت تعصف بالذهنية العامة، التي لم تعد بحاجة، اصلا، الى من يحرضها.
لدينا نموذج بارز يتعلق بالمعلمين، اذ يضرّب مائة الف معلم، ويحدث الخطر الاسوأ المتعلق بادخال مليون طالب في البلد، الى عالم من الفوضى، وعدم احترام المدير ولا المعلم، ولا حتى سلطة الاب.
الاضراب عنوان شرعي، يترجمه الطالب لقلة خبرته في الحياة، بطرق فوضوية، ولا يستخلص منه سوى ثقافة الانفلات والتمرد.
هذا الملف المتفجر يتم تركه للاسبوع الثالث على التوالي، ومن الطبيعي جداً، ان يتم التلاوم بين كل الاطراف، وهو ملف ثقيل، يؤدي الى ردود فعل كثيرة، دون ان يتحرك اي طرف رسمي للتحريض على خلفيته، لان البئر تفيض وحدها بكل هذا الماء المعكر.
من هنا، لا يمكن التعامل بخفة مع ملف المعلمين، تحت وطأة التفسير الحكومي الذي يقول ان الاستجابة لهم تفتح الباب لشرعنة اضرابات اخرى، فالمعلمين ُيضربون، والطلبة يتعلمون الفوضى، ورغم ذلك تواصل الحكومة المماطلة والاسترخاء في هذه القصة.
على أرضية هذه القصة، مثلا، لا يمكن تفسير اي رد فعل سياسي او نيابي او شعبي، باعتباره تحريضاً موجهاً من جهات عليا، ضد الحكومة، تعبيراً عن عدم الرضى على ادارة هذا الملف، او غيره من ملفات.
رسائل النقد الرسمية، اذا توفرت، تصل عبر قنوات مكتومة وشفهية ومباشرة، وليس عبر التحريض العلني، لان اصطفاف جهات رسمية ضد الحكومة كارثة في هذا التوقيت، لا يمكن تصديقها، ولا احتمال كلفتها العامة ايضاً، ولا مطابقتها مع الحقائق الخفية.
نقد الحكومة نيابياً او اعلامياً او بأي شكل من اشكال التعبير الشعبية، لا يعني ان هناك من يدير الحملة رسمياً لغايات تصغير اكتاف الحكومة، او حرقها.
هذا منطق لم يعد قائماً هذه الايام، اذ على الحكومة ان تشتغل شغلها بشكل جيد، وُتنهي الازمات، ولا تستغرق في البحث عن اشباح في المؤسسات لاتهامها بعرقلة الحكومة، او التأثير عليها سلباً، او تركها تحت المطر الغزير، او الشمس الحارقة في حالات.
يأتي من يهمس في آذان الحكومة ايضاً ان اصرارها على الولاية العامة، له ارتداد اقله ترك الحكومة لتخلع شوكها بيديها، وهذا كلام مثير، لان فيه اعترافا ضمنيا بعدم القدرة على تطبيق مبدأ الولاية العامة، دون الحاجة في لحظة الى الاستغاثة بآخرين.
من حق الحكومة ان ُتطبق مبدأ الولاية العامة، ومن حقها ان تدير ملفاتها، ومن حقنا عليها، ان لا تبحث عن "شماعات" من تصنيفات مختلفة تعبيراً عن وجود خصوم مفترضين، وهذه اسهل الطرق للاعتراف بالضعف، عبر اتهام الاخرين بالتشويش على الحكومة.
وضع البلد لا يحتمل البحث عن اكباش فداء، من هنا او هناك، خصوصاً، ان بقية المؤسسات الرسمية، وكل الجهات العليا، تقدم الدعم علانية وصراحة للحكومة، وفي اسوأ الحالات تسكت باعتبارها لا تريد مزاحمة الحكومة في اعمالها، ولا تريد اثارة تحسّسها.
من يروي رواية "الطعن من الداخل" المملة عليه ان يبحث عن غيرها، حتى لا تختلط المسؤوليات، بين الاشباح والبشر.
الدستور