الوطن لحظة حب .. لا عمر نفاق
عدنان الروسان
05-02-2007 02:00 AM
بعد أن أقصت الحكومة المداحين والمنافقين قالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر
شيوخ الصوفية السياسية والمال الحرام منزعجون من وقف العطايا الحكومية
الإسراف في المديح قدح لمقاماتنا العليا يستوجب التحويل للمدعي العام للعقاب
الحكومات عند شيوخ زوايا النصب الوطني كخبز الشعير مأكول مذموم
الصحف يجب أن تكون مساحات وطنية مملوءة بالحقيقة لا بالمديح والتملقأشرت إلى مد المتملقين وجزرهم على شواطئ وطننا الحبيب ، الذين يحاولون ويصرون على المحاولة بثبات وعزيمة لاتكل لكي يكسروا ما تبقى لنا من كرامة وما لقيادة الوطن العظيم من مهابة في أساليب مدحهم وتملقهم وإشاعة ثقافة الكذب لدى العامة ، وتوسيع رقعة المستوطنين في كيبوتسات النفاق السياسي الذين يعتاشون على تأليه القيادة وتخويف الناس من نقدهم وانتقادهم ، لأن انتقاد من يمدح في عرفهم انتقاد للممدوح .
لقد غاب عن شلل السحيجة في زوايا الصوفية السياسية المنتشرة في بإزار القبض والدفع في ثنايا الوطن أن الدنيا قد تغيرت ، وأن الناس قد أصبحوا اكثر دراية بمن يحب ومن يكره ، كما أن القيادة لا تبحث عمن ينحني أمامها لأن كثير الانحناء سهل العصر وسهل الكسر وسهل التنقل من أقصى يمين الوطن إلى أقصى يسار الأجنبي ، وهو مستعد للتأرجح في زوايا الدروشة السياسية ومزاولة مهنة الرقص والتحشيش في أسوأ صوره والمناداة بأعلى الصوت أناء الليل وأطراف النهار ، مدد يا سيدي مدد.. مدد يادفيعة مدد .
والإفراط في المديح يفضي إلى الكذب ، ومن مدح فأفرط فكذب جاء يوم القيامة يتعثر بلسانه ، ومدح رجل رجلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه السلام " ويحك قطعت عنق صاحبك لو سمعها ما أفلح" والحب لمن يدعي الحب ، أن يحب الشيء لذاته لا لحظ ينال منه وراء ذاته ، وهذا هو الحب الحقيقي الذي يوثق بدوامه ، أما دراويش المديح السياسي فهم يحبون أنفسهم ويحبون غيرهم أو يظهرون ذلك لأجل أنفسهم ، كمن يتغزل بالشجر وخضرته وبهائه لا محبة به بل رجاء لظله وهو المبتلى بحر الشمس ولهيبها .
القيادة أوعى من أن تقبض ما يقول هؤلاء النفر من الناس على محمل الجد ، وهي تعرفهم على حقيقتهم ، والقيادة تعلم أيضا أن من يشتم أم المؤمنين لا يمكن أن يكون من أهل الإيمان ، وأن من يتطاول في المديح كمن يتطاول في الشتائم ، وأن من يطيل قامة علي على قامة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ذم الاثنين معا ، القيادة أكبر بكثير من أن تطرب لنفاق المنافقين ومديح المتعطلين المتعطين على أبواب السلطان ، وهي صاحبة خبرة في دراويش المدح والقدح من أجل التكسب والوصول .
وقيادتنا تسمع لمن يخبرها من جربته بصدقه ، ولم تعرفه بالكذب ، ولا اتهمته في القول ، فإن قلبها يسكن إليه ويطمئن بخبره بمجرد السماع ، وهي أعمق من أن تسبر وأعلى من أن تطال من المتطفلين .
والأردن غني بكل ما فيه ومن فيه ، ولا يحتاج إلى الحاملين وجعهم على رؤوس ألسنتهم يدورون فيه من مجلس إلى مجلس ومن منسف إلى منسف ، يرسلون الرسائل ظنا منهم أن كل من في المجلس من السعاة ، وأن كل السعاة يوصلون الرسائل وأن كل المرسل إليهم مساكين يقرؤون ظاهر القول فتطرب قلوبهم وتفرح أفئدتهم وترقص عيونهم بعبرات الفرح ، فيبعثون بالعطايا من المال المؤمنين المساكين إلى شيوخ عشائر الشعر والنثر من المارقين المداحين المفرطين في المديح ، المفرطين في الكذب والرياء والنفاق .
لسوء حظنا أنه كانت هناك فئة من المسؤولين في حكومات تسترضي عصابات المديح السياسي وشيوخ الصوفية الذين يمدحون زيدا ويذمون عمرا لأن زيد يدفع وعمر لا يدفع ، وكانوا يمولون صحائف هؤلاء ومعلقاتهم ، ويطبعونها لهم على حسابنا نحن ، يمدحون زيدا وندفع نحن ، ويشتمون عمرا فندفع نحن ، فلما جاءت هذه الحكومة التي أقصت المداحين والكذابين والمنافقين قالوا فيها ما لم يقله مالك بالخمر ، وأشبعونا مراجل عليها ، وكادوا أن يحملوها وزر كل الفشل الوطني الذي قام به الذين كانوا يدفعون مما لا يملكون لمن لا يستحقون ، وهكذا تكرش هذا النفر المستعطي المستوزر الساكن في زوايا الدروشة الحامل لألف مسبحة كلها تخشخش طربا للمال وكلها تسبيح باسم من يدفع حلالا كان أم حراما.
حاولوا ابتزاز الحكومة ببيانات المديح وجيشوا ضدها كل كتائب الطبل والزمر التي يملكونها وما هي إلى صوت عال دون مضمون ، فلما يأسوا بدؤوا بابتزاز الحكومة بالسب والشتم والردح ، ونقلوا جبهة الحب المتدفق إلى قيادتنا العليا ظنا منهم أن الحكومة هي حكومة نيكاراغوا وما دروا أن حكومة البخيت هي حكومة الملك بنص الدستور وإرادة الملك ، وأن شتم واحد ومدح الآخر ما هو إلا فقرة في باب الكذب والتدليس في الكيد للرئيس .
آن الأوان لكي يعرف شيخ مشايخ الدراويش ، أن الانتماء للأوطان لا يكون بالكثير من الكلام والكثير من الشعارات ، ولا بالمديح الكاذب الذي يستهتر بعقل الممدوح وعقل الوطن كله ، فالوطن ليس قصائد فحسب ولا دروشة وتعطي على أبواب الحاكم ، الأردن قد يعطينا كل شيء وقد لا يعطينا أي شيء ولكنه يبقى الأفضل ويبقى عندنا كل شيء .
الوطن أولئك الذين نشتمهم فلا يأبهون ، ويمدحهم المادحون فلا يستكبرون ، تتواضع بين أيديهم مقدرات الأمة وخزائن الشعب فيعفون ويقنعون ، وتتثنى بين أيديهم مصائر الناس فلا يظلمون ولا يتشفون ، وتعلوا قاماتهم فينحنون أمام قامات الوطن العظيم تحببا و تذللا وتوجدا .
الوطن ليس صحيفة تمتلئ بالكذب والغث من الكلام ، ولا رسالة حب تفوح من بين كل كلماتها روائح الاستعطاء والاستجداء ، ولا مجالس باطنية تمتلئ التقية وتتكئ على من هو غير معروف للنيل من معروف ، ولا بقايا بطانات تمتلئ بالحسرة على ما كان بعد فوات الأوان .
الوطن نقطة عرق ترتسم على جبينك بصمت وأنت تقوم بالبناء والانتماء كما يقوم القلب بالخفقان دون كلل ولا ملل ، وكما تقوم الرئتان بالتنفس لتمدك بإكسير الحياة دون أن تتمنن عليك بأنها تقوم بذلك .
المدح في الوجه مذمة ، والإسراف في المدح استهتار وتهريج ، واختزال الوطن ليكون صومعة لتجار الكلام ، وهواة السجع مسخرة ، ومدح قيادتنا على هكذا نحو وهكذا طريقة قدح مقامات عليا يستوجب العقاب على رؤوس الأشهاد.