العقل السياسي للدولة والمجتمع
ابراهيم غرايبه
20-02-2012 02:50 AM
ليس المقصود بـ"العقل السياسي" مؤسسة أو شخصية ولا "مطبخ القرار"، كما يحب بعض الزملاء القول؛ ولكني أقصد منظومة السلوك والتفكير السياسي المتبع على نحو واع ومقصود، أو ضمن تقاليد تاريخية للعمل السياسي. وفي أحيان كثيرة يكون هذا العقل غير مُدرَك تماما، أو غير معترف به، ولكنه بعامة يصلح لتفسير التاريخ السياسي الحديث للدولة، وكذلك المواقف وأساليب إدارة الأزمات ومواجهتها. وهي منظومة بقدر ما نجحت في العقود الماضية، فقد أنشأت حالات وأزمات متراكمة، جعلت الإصلاح والحراك السياسي القائمين اليوم يواجهان تحديات كبرى، أو لنقل إننا اليوم في مواجهة مرحلة وأزمات جديدة تحتاج إلى عقل سياسي جديد ومختلف، أو على الأقل مراجعة الأدوات السياسية والاجتماعية المتبعة في الإدارة وتنظيم العلاقات بين الدولة والمجتمع، وبين الدولة والقطاع الخاص، وبين المجتمع والقطاع الخاص.
ويجب أن نقول إن جزءا كبيرا من أزمتنا في الأردن أنشأتها الدولة نفسها، عندما أقدمت على نحو متسرع ومتهور على التخلي عن دورها الاقتصادي والاجتماعي، وعندما أسندت إلى القطاع الخاص معظم دورها؛ والأسوأ من ذلك عندما أضعفت، على نحو متعمد وواع، المجتمع وهمشته، وأضعفت مؤسسات الدولة وخدماتها لتتيح المجال للقطاع الخاص العمل من غير منافسة أو توازن. وأسوأ من ذلك كله ليس فقط أن القطاع الخاص دخل إلى الساحة على أشلاء المجتمع والمؤسسات الرسمية، ولكن مدعوما بتحالفات وتسهيلات إدارية وتشريعية خرافية. واليوم، فإننا (الدولة والمجتمع) نبدو وكأننا كنا نعمل ضد أنفسنا.
الأزمة الكبرى التي يجب أن يواجهها العقل السياسي للدولة الأردنية أن الدولة الحديثة في تشكلها وقيامها أنشأت طبقة جديدة ومختلفة من السياسيين والبيروقراطيين والاقتصاديين.. هذه النخبة التي تشكلت على نحو كان يبدو ضروريا وبحسن نية في كثير من الأحيان، أنشأت منظومة جديدة من العلاقات والقواعد لصالحها، جعلتها نخبة مغلقة، وتعمل بقسوة ووعي على استبعاد جميع فئات المجتمع وتهميشها، بل إنها تبدو وكأنها في حالة عداوة وحرب شبه معلنة مع المجتمع والأعمال والمشاريع والحركات الاجتماعية، وألحقت بها كل/ معظم مؤسسات المجتمع والمصالح الاقتصادية والديناميات الاجتماعية، مثل النقابات والبلديات والإعلام.. فضلا عن فرص التوظيف والتعليم والابتعاث، وتشكلت أجيال متعاقبة من النخب، وأجيال من المهمشين.
واليوم، فإن الإصلاح لا يمكن أن يكون إلا مراجعة استراتيجية للتاريخ السياسي، وتغيير كثير من قواعد العمل والتفكير. بوضوح وبساطة، فإن الحالة التي سادت على أساس أن يتحمل الفقراء ومتوسطو الحال كل العبء ولا يسمع صوتهم، ولا يحظون بنصيب عادل من الموارد والإنفاق والفرص، وأن النخب المؤثرة تحظى بكل شيء.. حان الوقت لإدراك أنها مرحلة قد انتهت إلى غير رجعة، وأن النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى حماية نفسها أن تضحي بـ90 % على الأقل من مكتسباتها، لأن 110 % من مكتسباتها غير مشروعة.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد