وجّه الملك عبد الله الثاني رسالة واضحة وحاسمة لأعضاء مجلس النواب, حمّلهم فيها مسؤولية الإستجابة السريعة لاستحقاق إقرار قانون إنتخاب جديد, كمقدمة لإجراء الإنتخابات العامة وتشكيل حكومة برلمانية.
وإذا كان الملك لم يسمّ الجهات التي تعرقل الأجندة الإصلاحية المقررة في عام 2012، فهو يقصد أصحاب المصلحة المباشرة في تعطيلها; البرلمان الحالي الذي سيُحَلّ حتما مقدمة لانتخابات مبكرة والحكومة التي ستستقيل حكما جرّاء حل البرلمان.
غير أن هذين العائقين أمرهما سهل في النهاية. وقد سُمح للبرلمانيين باستعادة مكتسباتهم في سياق تفاهم لاسترضائهم قد يشتمل على ميزات شخصية أخرى, بينما يتم تداول رواية عن إتفاق عقده رئيس الوزراء, عون الخصاونة, يضغط بموجبه لإقرار قانون انتخابات مناسب للإخوان المسلمين لقاء تسميتهم له كأول رئيس لحكومة برلمانية أردنية منذ الخمسينيات.
لكن مشكلة أجندة الإصلاحات السياسية, تتجاوز النوّاب والرئيس وحكومته. المشكلة تكمن في الصراع المجتمعي السياسي العميق حول مضمون تلك الأجندة.
من المعروف أن عمّان تواجه ضغوطا أمريكية مضاعفة, صاغها الرئيس باراك أوباما علنا, وتتعلق بما يسمى " المساواة" في التمثيل السياسي للأردنيين. وهو ما يتطابق مع مطالب جماعات "الحقوق المنقوصة" والإخوان المسلمين بقانون انتخابات على أساس المعيار السكاني. وبالنسبة للأخيرين, فهذا مجرد محور من محاور سعيهم لنظام انتخابي من شأنه مضاعفة حصتهم النيابية.
وهنالك مؤشرات عديدة تؤكد أن مسار القرار السياسي يمضي بهذا الإتجاه. والخلاف بين الأطراف, هنا, يتصل بالكم لا بالنوع. إن المنظور الرئيسي لما يسمى الإصلاح السياسي في بلدنا يلتزم الخط العام الأمريكي للتوطين السياسي, ويهدف إلى زيادة نسبة التمثيل النيابي والسياسي للأردنيين من أصل فلسطيني وضمان حضور " إخواني" وازن في البرلمان المقبل للإعتراف بدخول الأردن جنّة الربيع العربي القَطرية !
هنا.. قضية مصطنعة كليا. فالأغلبية الساحقة من الجمهور المستَهدَفة زيادة تمثيله النيابي والسياسي - وقد أثبت أنه جمهور وطني وحساس لظروف البلد - لا يطرح هذا المطلب المقصور على جماعات نخبوية لها ارتباطات معروفة بمشروع " الشرق الأوسط الجديد" وعلى الإخوان المسلمين الطامحين لاستخدام الدعم الدولي والإقليمي, السياسي والمالي والإعلامي, للإستيلاء على الحكم في البلاد.
لقد أعطتني سنتا الغليان 2010 و2011 القناعة بأن مواطنينا من أصول فلسطينية, يتمتعون بأعلى مشاعر المسؤولية إزاء التركيبة الوطنية الأردنية, وأنهم جمهور قائم ومحتمل للحركة الوطنية وليس للكمبرادور أو " الإخوان", والإتجاهات الغالبة عندهم هي إتجاهات الإندماج الفردي والمجتمعي والسياسي والفكري والمهني.. الخ وليس إتجاهات المحاصصة ككتلة تريد انتزاع كوتا.
المعادلة السياسية المحلية لا تحتمل تغييرات ذات دلالة ديموغرافية سياسية في تركيبة البرلمان والحكومة, بل تغييرات ذات دلالة مجتمعية سياسية. كما لا تحتمل شطب مكتسبات التمثيل للعشائر والمناطق, بل تعميقها من حيث النوعية. وسيكون على مَن يغامر بالقيام بتغييرات من الصنف الأول, أن يتحمّل النتائج الوخيمة المتوقعة, وأولها - ربما - استحالة عقد الإنتخابات نفسها. كذلك, فإن نظاما انتخابيا يمكّن " الإخوان" من نيل حصة مضاعفة, لن يؤدي إلى انتخابات, بل إلى صراع سياسي لا يستطيع أحد أن يحسب مفاعيله وتبعاته.
لا مجال لتجاوز التوافق الوطني الشامل على النظام الإنتخابي الجديد, ذلك أن العكس سيقودنا إلى إنفجار المعادلة.
ynoon1@yahoo.com
العرب اليوم