كيف تصنع فاسدا في الأردن؟
د. عادل محمد القطاونة
18-02-2012 04:03 PM
لقد أضحت حياة المواطن اليومية خصبة بالإشارات والكتابات التي ترفض فيها الفساد والفاسدين ويتم الحديث من خلالها إلى تقصير مسئول حكومي فتعددت الآراء وزادت الإجتهادات في ظاهرة الفساد والفاسدين في المملكة وبين هذا وذاك كان الإنتقاد والذم والتشهير العنوان الأبرز لهذه الكتابات.
ليس ببعيد عن أحد بأن الفساد من الأمراض القديمة جدا ولكنه أصبح من أكثر الأمراض شيوعا في السنوات الأخيرة وتحديدا مع التقدم التكنولوجي وإتساع إستخدام الإنترنت ، ولعلي في هذا المقام أستذكر قول أحد المسئولين بالقول حرفيا "يلعن الساعة إلي عرفنا فيها الإنترنت ، كان الواحد منا يعمل ولا حدا بعرف عنه شي " إنتهى الإقتباس !!
متطلبات قليلة ومعطيات أكثر من بسيطة يمكن أن تجعل من أي مواطن عادي ولد ولادة طبيعية ونشأ نشأة طبيعية أن يصبح فاسداً لا بل قد يتعدى ذلك ليصبح مدرسة في الفساد تخرج مدرسته أفواجا من الفاسدين الذي ينتشرون هنا وهناك لينخروا في بنيان الوطن ، فيصبح الضرر واقعا حقيقيا !!
لم يولد أي من الفاسدين فاسدا ، فالإختلاس والسرقة والإستغلال والإهمال الوظيفي والرشوة كلها من مخلفات مرض الفساد !! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفاسد يصنع صناعة يساهم في ذلك ضعف الواعز الديني والأخلاقي ليطل علينا بعد سنوات وقد تسبب في إحداث الضرر وبعد فوات الأوان !! أتفق مع الكثيرين من الذين طالبوا بالوقوف على الأسباب التي أدت إلى حدوث حالات الفساد والتسيب الوظيفي في العديد من المواقع الحكومية، وأتفق مع من نادى بأعلى صوته كي ينبه عن فاسد متسلط أو متراخِ في واجبات عمله، ورغم حزني لأقران كلمة المسئول الفاسد على البعض إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن بعض المسؤولين هم صورة للفساد والإهمال بكل معناها، ولكني أتأسف لبعض الفساد الذي قد ينحدر إليه البعض عندما يصبح هذا الفساد سبباً في إحداث شرخٍ في الوطن بقيمة وأخلاقة ومبادئه فهنالك العديد من المؤسسات الوطنية الرائدة التي قدمت وتقدم للوطن الكثير خدشت بسبب فساد أحد العاملين فيها ، من هنا فإنه لا يجوز لأي منا التعميم على أي تجربة حملت في طياتها أي فساد إداري أو مالي على الجميع.
رغم علمي بالإحباط الذي يشعر به الكثير من أبناء الوطن لكثرة حالات الفساد التي أضحت من مسلمات الحياة اليومية فأنتشرت هذه القضايا لدرجة أستوجبت دق ناقوس الخطر فأضحت الكثير من مشاريعنا فاسدة والكثير من موظفينا في دائرة الإتهام ، وهذا لم يكن في يوم من الأيام أمراً إيجابياً ، فليس كل العاملين فاسدين ولا كل مشاريعنا فاشلة !!
إن من الأسباب الموجبة في صنع الفاسد يكمن بالقوانين الناظمة في حالات وضعف الأنظمة والتعليمات الحكومية في حالات أخرى وأسس التعين والإختيار التي تتم للعديد من مسئولي الدولة !! كما أن الشللية والمحسوبية والمصالح الشخصية هي من أهم الأسباب الدافعة للفاسد ، ولعلنا في هذا المضمار يمكن أن نشير إلى مطلبين المطلب الأول هو أن تفعّل الحكومات من برامجها وشفافيتها وقوانينها كي تتمكن من تخفيض حالات الفساد ونمو الفاسدين، أما الثاني فهو إيجاد النظام الأمثل الذي يكفل توضيح المسؤوليات والإختصاصات بكل موضوعية وإلغاء أي تداخل وظيفي من خلال الوصف الوظيفي الدقيق لكافة المسئولين وبما يضمن محاسبة الموظف المقصر بغض النظر عن درجته الوظيفية والتي يسيء بها إلى سمعة الحكومة من خلال سلوكه الغير ايجابي والذي ينعكس سلباً على الأداء الحكومي.
لبيان مدى مسؤولية المواطن والموظف في تحمل واجباته تجاه الفساد وصنع الفساد في المملكة ، أود أن أبين أن الوزير والمدير العام والضابط هو أخ المواطن، والمسؤولية تشاركيه بين الجميع، ولعلنا في هذا المضمار نطرح التساؤلات التالية لنغطي جزءاً يسيراً من معادلة الفساد : من قال أن على والد الطالب الجامعي أن يتصل مع المدرس الجامعي ويدخل الشخص تلو الآخر لنجاح إبنه الجامعي المهمل ؟ ومن قال أن على وزير المالية أن يقوم بإطفاء كافة أنواع الإنارة التي تبقى طوال الليل في بعض المباني الحكومية بسبب تقصير موظف ما ؟ ومن قال أن على وزير السياحة متابعة كل شجرة وحجر في الوطن من كل مؤذ ومهدم يسعى إلى هدم أي معالم سياحية أو طبيعية في الوطن ؟ ومن قال بأن بعض السيارات الحكومية تصول وتجول في شوارع عمان وأمام المقاهي والمطاعم الفاخرة دون حسيب أو رقيب ؟ ومن قال بأن بعض الوزراء أو المسئولين الحكومين لا يمكن لقائهم إلا إذا كان لديك واسطة من نوع ما ؟ ومن قال بأن بعض المسئولين الحكومين يوجد لديهم من العاملين في مكاتبهم بالعشرات ؟ ومثلهم من العدد مع أبنائهم وفي بيوتهم ومزارعهم الخاصة ؟؟ ومن قال أن بأن بعض المسئولين الحكومين يتدخلون في أعمال زملائهم من مسئولين آخرين لفرض أجندات خاصة ومصالح شخصية ؟ .... ومن قال ومن قال ؟؟
من هنا نتوقف لنؤكد أن الفساد له أشكال متعددة وأحجام مختلفة ولا يقتصر على المسئول الحكومي فقط أياً كان موقعه ، فالفاسد يصنع بشكل تدريجي حتى يتغول في العديد من مناحي حياة المواطن ويصبح تأثيره على الوطن.
لقد أتى علينا حين من الوقت تبوأ فيه أفراد منّا مناصب قيادية وهم ليسوا مؤهلين لتلك المناصب، ولكن هذا وإن كان يشكل جزءا من المشكلة إلا أنه يقصر على أن يكون أصلها، فالمخلفات متعددة والرواسب كثيفة والمعوقات عديدة والتحديات كبيرة، وهنا لا يفوتنا أنه تتعالى النداءات بين الفينة والأخرى لتغيير وزير أو مسئول ما ، ويطالب بحلول آنية قد تفلح في التنفيس ولكنها تعجز عن التشخيص الحقيقي للمشكلة الأساسية في الفاسد من خلال جودة المعايير التي يتم على أساسها عمل العديد من الوظائف أو المواقع ومن خلال توضيح الصلاحيات والمسؤوليات بشكل أكثر واقعية وبنظرة شمولية تراعي الإختصاصات وتحد من الفساد ولا تسمح لأي منا ان يمارس الفساد بسبب قوة الأنظمة العاملة والناظمة والتي تحول دون وقوع الفساد.
لست أدعي هنا بأنني قد ملكت السبق في إيجاد المكونات الرئيسية في صنع الفاسد والذي أوهن مسيرتنا أو أني وجدت البلسم الذي سيشفي مرض الفساد، بل أجرؤ على القول بأن المسبب الأساسي لمشكلة الفساد هو المواطن نفسه ، فكل فاسد كان في يوم من الأيام مواطناً عادياً لا يرعه الناس إهتماماً !! ولكن تغير المواقع والأحوال جعل البعض منا يوقر بعض الفاسدين لمناصب بالية ومنافع فانية مخلفاً وراءه دينا عظيما دعى إلى مكارم الأخلاق ونهى عن الإهمال والفساد !!