بعد صفقة مشرف - بوتو باكستان الى اين؟
محمد خروب
04-10-2007 03:00 AM
لا داعي للتوقف او تصديق ما قالته بناظير بوتو في الساعات الأخيرة عن خلافها المستجد مع حاكم باكستان العسكري فالصفقة بين الجنرال برويز مشرف وزعيمة حزب الشعب الباكستاني بناظير بوتو، باتت مكتملة بعد أن باركها الوسيط الاميركي، ولم تبق سوى بعض الرتوش والطقوس، التي تبدد مخاوف الطرفين حيث الثقة معدومة بينهما، وحيث ثقافة التربص والريبة متجذرة في المشهد الباكستاني، الذي لا تستقر فيه التحالفات.عودة السيدة رئيسة الوزراء السابقة الى باكستان، سيجري تقديمها بعد ان تم اسقاط تهم الفساد ضدها (عنها وحدها وبقيت قائمة ضد نواز شريف)، وقدم الجنرال ضمانة لحليفته الجديدة، عندما عيّن الجنرال اشفاق برويز كياني، نائباً لقائد الجيش، في اشارة الى انه مستعد لخلع بزته العسكرية يوم بعد غد السبت، اذا ما تم تجديد انتخابه رئيساً للجمهورية..
كلاهما يناور، السيدة بوتو التي اختارت الانشقاق عن المعارضة، سعياً لاستعادة نفوذها، وخصوصاً منصبها، الذي قد تشغله مرة اخرى، اذا ما تم ادخال تعديل على الدستور، يسمح لأي رئيس وزراء شغل موقعه مرتين، ان يعود اليه مرة ثالثة.
والجنرال الذي لم يعد لديه من الاوراق، غير المضي في شوط تحدي المعارضة حتى النهاية، لأن البديل هو ايداعه السجن او محاكمته، وفي اسوأ الاحوال ملاقاة المصير، الذي انتهى اليه الجنرال القوي ضياء الحق، حيث قضى في حادث سقوط طائرة غامض هو ومجموعة مهمة من الجنرالات، ذوي الرتب العالية..
لن يمانع برويز مشرف في ادخال تعديلات على الدستور، تضمن وجود بناظير الى جانبه رئيسة للوزراء، فلكل منهما مصلحة في هذا الزواج السياسي، بعد ان تم قبول اوراق اعتمادهما لدى البيت الابيض كشركاء في الحرب على الارهاب، وبعد ان وجدت واشنطن ان لا خيار امامها سوى التمسك بالجنرال مشرف، الذي تتراجع شعبيته وتتقلص هوامش مناوراته، بفعل تنامي قوة المعارضة، وخصوصاً في استهدافها لقوات الجيش اختطافاً وعبوات ناسفة، اذا ما ارادت (واشنطن) ان لا يتحول وجودها في افغانستان الى فشل شبيه بالحال العراقية.
السيدة العلمانية، الذي اعدم الجنرال ضياء الحق والدها، ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء المنتخب بتهمة ملفقة، معيداً الاعتبار والوهج لدور المؤسسة العسكرية الباكستانية المتنامي، بعد ان انقلب عليه، وهو الذي جاء به الى قيادة الجيش، تماماً كما جاء نواز شريف رئيس الوزراء المنتخب، بالجنرال برويز مشرف، الذي انقلب عليه ايضا واودعه السجن، قبل ان يرسله الى المنفى بعد تدخل دولة عربية..
نقول السيدة بوتو، تريد الصفح عن دور المؤسسة العسكرية، في وأد الديمقراطية والغاء الحريات العامة، ما دامت الاخيرة تسمح لها بتبييض ملفاتها المثقلة بقضايا الفساد (هي وزوجها)، وما دام تعديل الدستور مجرد اجراء لا يحتاج سوى اشارة من الجنرال، الذي ارغم الجميع على التجديد له في موقعه، ووضع حليفاً مأموناً ومضمونا، في قيادة الجيش واتفق هو (والسيدة بوتو)، على منح الولايات المتحدة تفويضاً على بياض، القيام بضربات عسكرية داخل باكستان للقضاء على اسامة بن لادن، زعيم القاعدة..
وحتى لا يبدو الامر وكأنه بيع لسيادة باكستان، كما يتهمها قاضي حسين احمد، احد ابرز زعماء المعارضة الرافض لترشيح مشرف لفترة ثانية رئيسا للجمهورية، فإن السيدة التي لا تنقصها البراعة والدهاء السياسي، تستدرك قائلة لهيئة الاذاعة البريطانية ..امل ان يكون بوسعي تولي أمر أسامة بن لادن بنفسي، وبدون الاعتماد على الاميركيين، ولكن اذا لم يكن بوسعي ان افعلها فبالقطع نحن نحارب هذه الحرب معاً، وسوف اطلب تعاونهم في التخلص منه.
لا حاجة لمزيد من التفاصيل والاضافات، فصفقة اقتسام السلطة بين الجنرال والسيدة باتت وشيكة، والمطلوب هو تأمين النصاب للهيئة الانتخابية صاحبة الحق في اختيار الرئيس، وهي هنا وفق الدستور الباكستاني، تتكون من البرلمان الفيدرالي وبرلمانات الاقاليم الاربعة، ويبدو ان لا مشكلة جوهرية تواجه الجنرال، بعد ان فشلت المعارضة في دفع عدد اكبر من النواب للاستقالة بهدف فرط النصاب، حيث لم يستقل سوى (80) نائبا، وهو رقم لا يؤثر كثيرا على حظوظ الجنرال.
اين من هنا؟.
اذا لم يحدث انقلاب عسكري، او تنجح المعارضة في تنظيم عصيان مدني واسع وشامل، فإن الجنرال مشرف سيعود اعتبارا من بعد غد السبت، رئيسا لجمهورية الباكستان، وستغدو السيدة بوتو رئيسة وزرائه، وستدخل باكستان مرحلة جديدة يصعب على احد التكهن بملامحها او مستقبل التحالفات والاصطفافات الجديدة، التي ستبلورها الاوضاع المستجدة، وان كان من غير المغامرة القول، ان حكم الثنائي مشرف بوتو، سيكون مهزوزاً وضعيفاً، حتى لو لجأ الحليفان الجديدان، الى استخدام اقصى ما لديهما من صلاحيات ودفعا بالجيش الى المقدمة واعلنا حال الطوارئ، واستعانا بالقوات الاميركية لقمع تمرد منطقة القبائل (وزيرستان)، التي ستقرر مستقبل حكم الجنرال والسيدة، بعد ان يكونا قد استنفدا كل ما في جعبتهما من حيل سياسية، واساليب لشق المعارضة او قتل المتمردين، بحجة محاربة الارهاب.
باكستان في مهب الريح، والرهان على ادارة بوش في توظيف شعار الحرب على الارهاب لقمع المعارضة والغاء الديمقراطية ومصادرة الحريات، لن يفيد الجنرال والسيدة، وخصوصا في ظل المأزق الذي يواجهه الحلفاء في باكستان وافغانستان.
.. لا تنسوا العراق.
kharroub@jpf.oom.jo