ليس لدينا، للأسف، تقاليد وأعراف برلمانية يعتد بها في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. ولا يساعد النظام الداخلي لمجلس النواب على قيامها وترسيخها، ناهيك عن الإرادة السياسية التي تتعامل مع البرلمان باعتباره مرفقا من مرافق السلطة التنفيذية وظلالها. وهذا من شأنه إضعاف "الركن النيابي" للنظام، ويسهل تطويع البرلمان وشل إرادته.
والأكثر مرارة من العلقم، أن هناك مقاومة عنيدة، وعن وعي، لإصلاح النظام الداخلي، من زعامات نيابية فردية، تستمد قوتها ونفوذها من دورها "كوكيل" معتمد. وهي تقاوم العمل البرلماني الجماعي الحديث القائم على الديمقراطية البرلمانية، لأنه نقيض مصالحها وامتيازاتها وأدوارها.
هذه المقدمة "ردة فعل" مدروسة على ما جرى في جلسة مجلس النواب الأربعاء الماضي. ما جرى من تجاوزات على النظام الداخلي والدستور، يصل إلى مستوى "الفضيحة".
لا يتسع المجال للحديث عن التجاوزات الصارخة على النظام الداخلي التي افتقرت إلى أبسط قواعد العمل النيابي الديمقراطي. وسأركز على السابقة النيابية الخطيرة التي "اقترفت" يوم "الأربعاء الأسود"، حين جرى تجريد مجلس النواب من حقه الدستوري غير القابل للتصرف، في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، من خلال حرمانه من متابعة النظر و"تقصي الحقائق" في ملفات تحوم حولها شبهات فساد بيّنة.
سلطة البرلمان في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، حق دستوري مطلق، لا يلغيه أو يقيده قانون أو نظام أو "تصويت". والرقابة البرلمانية تعني: حق البرلمان في استدعاء الوزراء لسماع أقوالهم، وسلطته في "تقصي الحقائق" من خلال جمع الأدلة والبيانات وسماع الشهود حول كل أعمال السلطة التنفيذية؛ المالية والإدارية، وأنشطتها على كل الصعد، بما فيها "الأمنية والعسكرية" لمن لا يعلم. وهذه السلطة البرلمانية الدستورية تمارسها كل اللجان الدائمة في مجلس النواب بشكل اعتيادي بدون توقف وفق اختصاصها. وهذه حقوق يضمنها النظام الداخلي بوضوح لا لبس فيه، ولا تحتاج إلى قرار من المجلس للقيام بها.
المادة 58/أ تنص على أن "للجنة (الدائمة أو المؤقتة) أن تطلب استدعاء الوزير المختص أو من ترى لزوم سماع رأيه". والمادة 58/د تنص على أن "للجنة (الدائمة والمؤقتة) أن تطلب من الوزير المختص تزويدها بالمستندات والوثائق والمعلومات التي تطلبها وتتعلق بموضوع البحث".
ما تقوم به اللجان التي شكّلها المجلس في إطار حملته لمكافحة الفساد، هو ما تقوم به اللجان الدائمة في المجلس. لكن المجلس أراد أن يعطي موضوعاتها أهمية استثنائية، فشكل لها لجانا خاصة مؤقتة، استنادا إلى المادة 51 من النظام الداخلي التي تقرر أن "للمجلس أن يشكل لجانا مؤقتة يرى الحاجة ماسة لتشكيلها ويحدد المجلس وظائفها ومهامها وعدد أعضائها".
إنها "لجان تقصي حقائق" (هكذا تسمى في البرلمانات العالمية)، وليست لجان "تحقيق" يشكلها المجلس بصفته القضائية التي تحددها المادة 56 من الدستور، وتعطيه الحق في إحالة الوزراء إلى النائب العام.
هذا الخلط المتعمد جاء لخدمة أهداف "فوق برلمانية"، تحصينا للفساد والفاسدين.. أي مصداقية بقيت لمجلس النواب بعد "الأربعاء الأسود"؟
bassam.haddahdin@alghad.jo
الغد