يشكل اعتصام "دوار المعلمين" - الدوار الرابع سابقا -, الثلاثاء الماضي, حدثا سياسيا نوعيا ينبغي التوقف عنده لاستخلاص الدروس للمرحلة المقبلة.
أولا, أظهر هذا الاعتصام, بجلاء, التغيير الحاصل في الحياة السياسية الأردنية منذ عام 2010 ، لجهة ولادة حركة مجتمعية من طراز جديد, ميزتها الأساسية تتمثل في التداخل بين المجال الاجتماعي ( المطلبي والنقابي) وبين المجال الوطني ( الشمولية والإجماع والهوية) وبين المجال السياسي ( الانتقال من مطلب نقابي إلى مطلب سياسي كإسقاط الحكومة) وبين المجال الثقافي ( التعبير الإبداعي المرتبط بالتراث المحلي) وبين المجال الشعوري الجماعي ( انفجار الإحساس المفعم بقيم الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والفخر بالإنتماء للفئات الاجتماعية الشعبية).
و هذه الروح هي روح تاريخية, قادرة على تجديد شخصية ومحتوى الجماعة الوطنية , وتاليا القدرة - بشرط تبلور قيادة شعبية موحدة في المجال السياسي - على تجديد الدولة الوطنية, وإطلاق آليات التنمية والتشغيل وزيادة الإنتاجية, وتحقيق القفزة المنتظرة من وهدة الفشل النيوليبرالي الكمبرادوري إلى آفاق دولة القطاع العام الديموقراطية الاجتماعية.
ثانيا, حسم اعتصام الثلاثاء, من حيث حجمه وتنظيمه وشموليته الوطنية, السجال حول أحجام القوى السياسية في البلاد. فقد أظهرت الحركة الوطنية الإجتماعية - تيارات المعارضة الجديدة, أنها تتجاوز قدرات جميع الأحزاب التقليدية - بما فيها الإخوان المسلمون - وكذلك, قدرات التحشيد الشعبي للنظام السياسي.
ومن سوء الحظ أنه لا يوجد نظام إنتخابي مطروح يستطيع أن يعكس المشهد السياسي الفعلي القائم في مؤسسة برلمانية. إلا أن الأمر الأساسي يكمن في أن الإنتخابات تظل مرهونة بالنفوذ والسيطرة السياسية والإعلامية وبالمال. وهي أدوات يملكها النظام السياسي والأثرياء من جهة, وحركة الإخوان المسلمين المدعومة خارجيا من جهة أخرى.
وبسبب عجز الديموقراطية الإنتخابية المزمن عن التمثيل وإطلاق الحيوية المجتمعية, فقد طرحنا, وما نزال, نظرية الديموقراطية المضادة القائمة على التمثيل المباشر للقوى المجتمعية, والأدوات النضالية المتشكلة من شبكة واسعة من النقابات الجديدة والتجمعات واللجان الشعبية والثقافية والمنابر والأحزاب غير التقليدية. وهذه النظرية مستمدة من واقع الحراك الأردني نفسه, وتطمح إلى تحويله إلى صيغة سياسية دائمة مؤسسية لا تنتهي - كما يأمل التفاهم الرسمي الإخواني - بالإنتخابات النيابية. إن صناديق الإقتراع ليست ولا يمكن أن تكون الحَكَم, وإنما القدرة على التعبئة الفكرية والمجتمعية المستمرة.
ثالثا, منحنا إعتصام الثلاثاء, صورة متعددة الألوان من المشاركات السياسية. ولا ريب في ان أفرادا ومجموعات من الأحزاب القديمة, شاركت في إنجاح الحدث, ولكن في سياق جديد غير سياق نشاطها التقليدي, وتحت مظلة تفاعل سياسي أصيل لا علاقة له بالأجندات المعروفة.
رابعا, بقدرما كان إعتصام العشرة آلاف, ضربة للنهج الحاكم وللحكومة, شكّل, ايضا, ضربة معنوية وسياسية للإخوان المسلمين, من حيث أنه أظهر مدى عزلتهم عن الحركة الوطنية الاجتماعية الصاعدة, وضعف تأثيرهم فيها, ومن حيث أن سهام شعاره السياسي المتمثل بإسقاط حكومة عون الخصاونة, تصيب, ايضا, حلفاءها.
ynoon1@yahoo.com
العرب اليوم