أسفي على كُلّ ما جمعنا يا ابن العم .. بقلم : إحسان الفقيه
احسان الفقيه
18-02-2012 02:40 AM
أسفي على كُلّ ما جمعنا..
من مواسم وأعياد ومناسبات لطالما أبهجتنا وغلّفت لنا الدنيا في صناديق للضحك وأُخرى للعتاب..
من فقدانٍ لطالما أسقط الخصومة وأعلن قلوبنا موطنا لمن تبقّى..
في زمن كانت فيه للشدائد مُهمّة مجّانية للتعريف بأهل القمم ومن يتقلّب في الهاوية صاغرا بتوقيت التخلّي وطريقة الإنسحاب..
أسفي على أمنيات صغيرة -خاصّة بأبناء الفلاحين الكادحين فقط- لطالما أيضا جمعتنا ..
لطالما حلّقت بنا ومعنا نحو إمكانية أن نكون .. ولطالما شارطنا واثقين أنها ستتحقق على مبدأ من طلب العلا .. و "لا يُدرك المجد الا كل فعّال"..
أسفي على رموز لعِبت بنا وعلينا .. ضحكت منا وعلينا .. سخرت منا وعلينا ... أغرقتنا بالوعود وأشقتنا بالعهود..
أسفي على نصوص وأقوال مأثورة وردت في مناهجنا ..
كتبناها على الجُدران وأغلفة الكُتب والصفحات الأولى من الدفاتر.. حفظناها كأسمائنا -عن ظهر تصديق مُسلّم بمنطقيّته- ..
تغنّينا بها كحبّات العيون وقاتلنا الهامز واللامز وأقصينا من مجموعتنا كل ساخرٍ ومُشكّك كنا نُسمّيه –عن جهل منا- عميلا مُرتزقة ..
وكنا نعتبره عدوّا لدودا للوطن..
لطالما تجاوزنا المبالغات الممقوتة في القصائد المُباشرة وأغمضنا عيوننا عن الرقص الشديد الانفضاح في صور شعريّة ملكيّة غاية بالسُخف.. مثيرة للضحك.. مسروق نصفها من دواوين الراقصين الأوائل ومصنوع نصفها الآخر بطحين التزلُّف والكذب..
كنا لا نعتبر سكوتنا جُبنا او مسايرة او تأييدا .. بل كنا نعتبره نوعا من جهاد النفس.. من أجل عيون الوطن ومن أجل سلامة المركبة ..
لطالما تحدّثنا عن عناء المُتطلّبات المدرسية وثمن فساتين الأعياد وعبء الشتاء القادم والتزامات رمضان ونقوط العرائس وعدّة أرطال من الأرز والسُكّر لعيادة المرضى- في حضرة فأس او في حفلة لجزّ العُشب او جرد البازيلاّء..
لطالما رددنا أغنيات للفجر وأخرى للكرامة وفلسطين ..
كنا نؤمن بحقّ العودة وحتمية النصر .. وكانت فلسطين هي الحبيبة والرفيقة والهدف والأُمنية الكبرى وأهلها وحقّ أهلها وكبرياء أهلها أوّلا وقبل كلّ شيء وأي شيء .. ما داموا منّا وفينا و معنا في مركب واحد..
ليأتي زمن يظهر فيه ليكوديّون سخفاء بفكر أخرق مسخ.. يشوّهون المقاصد ويُحوّرون الحقائق فتصبح كل دعوة لاحترام الآخر - الذي قاسمك بناء البلد وتربية الولد- دسيسة وإقرارا بخطّة العدوّ التي رُسمت بالأصل مع القراصنة الأوائل..
نعم.. جمعتنا أحلام أبناء القرى التي تتشابه دائما... ولا تتحقّق أبدا.. ولا يعرف عنها أولئك المهووسين بزورق النجاة وخدمة الغرف الفندقيّة وبروتوكول التطاول على الذين يستيقظون باكرا قبل العصافير كي لا يسبقهم للعذاب أحد..
وهاهي تُفرّقنا نشرات الأخبار .. والتحليلات السياسية والمقالات المأجورة والمواقع الالكترونية الراقصة على وقع القبول المشروط...
هاهي تُفرّقنا القنابل المسمارية ومقاطع للفيديو تتغنّى بالتبجُّح والغرور.. وهاهي تُفرّقنا صورٌ للموت وأُخرى للخراب يجب أن نُشير الى فبركتها دائما .. ويجب أن نُعلن عن كذب مصدرها في كل حين كي لا ننتمي لطابور العاطفيين الجُهلاء المضحوك عليهم بشهودٍ مُفبركين وجرحى مُفبركين وشُهداء مُفبركين ودموع مُفبركة ودماء من صلصة البندورة المهروسة..
استفتِ قلبك ولو أفتوك يا ابن العم..
اسأل قلبك .. قبل أن تُصدّق ابن عشيرتك و تُكذّب ابن الجيران بمعزل عن الحقّ..
قبل أن تتّهِم او تُتّهم.. قبل أن تظلم أو تُظلم.. قبل أن تتطاول على جرح أحد لم تلتقيه.. او على بؤس أحد لا تعرفه..
قبل أن تتطاول على دم أحد يحمل زمرة دمك.. وعلى فقيدة أحد عاش ذات المراحل التي عشت ولعب بذات الملاعب التي بها لعبت..
لا تسمح لهم بالتطاول على نقاء سريرتك.. لا تسمح لهم بإعلانك موسما أبديّا للجفاف ..
لا تتخلّى عن رفضك مُجاملا.. لا تتنازل عن حقّك .. موقفك .. مطلبك.. إضرابك .. كبريائك ولتبقى ثابتا صارما مُقاوما وعنيدا من أجلك وأجلي وأجل القادمين والراحلين ..
ehssanfakih@gmail.com
أردنية عادت حديثا للوطن .