المرحلة الدقيقة التي يمر بها الأردن لا تسمح بخطأ مهما كان صغيرا، لأن المثل العامي يقول إن "النفوس مليانة". وما حدث في مجلس النواب يؤكد أن ثمة ملفات لا يراد فتحها، وأن أشخاصا وقوى ستتضرر إذا ما فتحت هذه الملفات من قبل المجلس التشريعي الذي تشكل الرقابة صلب عمله، خصوصا بعد سيل الاتهامات التي يواجهها من قبلنا وقبل المواطنين بعدم قدرته على ممارسة الرقابة والسماح بتمرير الكثير من القضايا التي ساهمت في إضعاف دوره، وفقد جزء من هيبته التشريعية والرقابية أمام المواطن قبل النخبة.
وعندما أراد بعض النواب استعادة هذا الدور، واجهتهم صعوبة كبيرة، تتمثل في سحب هذا الدور الرقابي الذي هو في صميم عملهم. فعندما رفع رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي، الجلسة، بعد أن صوت نواب المجلس بأغلبية 56 من أصل 107 بتحويل قضايا الفساد المنظورة أمام اللجان النيابية إلى هيئة مكافحة الفساد، لم يعجب نواب قرار المجلس، وطعنوا بالنتيجة المعلنة. وشهدت القبة بعد ذلك اعتراضا غير مسبوق على الرقم المعلن، باعتبار أنه لم يمكن صحيحا، وأن عدد المؤيدين لم يتجاوز 30 نائبا، بحسبهم؛ وقالوا بصوت واحد "تزوير"، معتبرين ما حصل بـ"المعيب" و"الفضيحة".
ردة فعل النواب الذين يمتلكون الحق المطلق في ممارسة الرقابة والتحقيق مبررة وطبيعية؛ فما حصل اعتداء على سلطتهم، وحرف للمسار الطبيعي لمحاربة الفساد. وكلمة الحق تقتضي القول إن ردود أفعالهم غير مسبوقة، والتصريحات التي أطلقها رئيس كتلة التجمع الديمقراطي النائب الزميل جميل النمري، تعبر بصورة حقيقية عن طبيعة المشهد الذي دار في الجلسة، عندما أشار إلى أن ما حدث "يرقى إلى مستوى الفضيحة، لانتزاعه قرارا متعجلا لصالح مذكرة، تطلب وقف وسحب قضايا تحقيق من لجان المجلس، وإرسالها إلى الهيئة (جميع القضايا التي لا تشمل وزراء) وهي المذكرة التي كان 45 نائبا من أصل 75 قد سحبوا توقيعهم عليها".
الالتفاف على دور المجلس النيابي الرقابي يصب في مصلحة فئة محددة، جرّت البلد الى الحال الذي وصلنا إليه. وهذا اعتداء صارخ على الديمقراطية ومسيرة الإصلاح ومحاربة الفساد. لذلك، فالنواب الذين يرون ضرورة أن تكون ملفات التحقيق بين أيديهم، يشكلون نبض الشارع الذي سئم من المماطلة في محاربة الفساد، وسئم التبريرات غير المقنعة وغير المنطقية التي تسعى إلى بقاء الوضع على ما هو عليه. "غضبة" النواب هي تعبير حقيقي عن غضب الشارع من المسيرة المتعثرة للإصلاح ومحاربة الفساد، وما حدث يشكل اعتداء على حق المجلس وعلى حق المواطن في معرفة ما يدور من حوله.
اختتم بكلمات عبرت عنها الزميلة والنائب ميسر السردية في صفحتها على "الفيسبوك" بعد ما حدث في الجلسة مباشرة: "سادتي الفاسدين.. نعم أنتم أصبحتم السادة وأصحاب البت في أي قرار نهائي.. نعم مازلتم تصولون وتجولون.. هواتفكم النقالة متضخمة الأرصدة.. ولياليكم عامرة.. ولا قاهر لكم في هذا الوطن إلا إرادة الله العلي القدير.. إنكم تكسبون الجولة في كل عراك لنا معكم (...) عليكم لعنة السموات لا لأنكم سرقتمونا وأحبطتمونا فقط، وإنما لأنكم أردتم إشعال نار الجحيم في هذا البلد الطيب كي تقيموا حفلة شوائكم على أجسادنا، لا مبروك عليك".
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد