وسائل الإعلام والتقصير في التثقيف الصحي
د.فخري العكور
16-02-2012 02:15 AM
لقد تعاظم دور وسائل الاعلام في هذا العصر الذي اكتسب ملامحه من تنوع تقنيات الاتصال وتطورها بما جعلها تشكل حضوراً فعالاً داخل التيارات الاجتماعية وتحدث تأثيرها الايجابي أو السلبي فيها بدءاً بالفرد ومروراً بالاسرة والمجتمع وانتهاء بالمجتمع الدولي.
وازاء هذا التطور التقني في امكانات هذه الوسائل فأننا نتوقع منها دوراً حيوياً وملموساً في مجال التوعية والتثقيف نظراً لقدرتها في الوصول الى فئات متعددة ومختلفة من المجتمع وقيادة برامج التوعية المنظمة من خلال بثها في وقت واحد لملايين البشر مما يمكنها من ربط المجتمع صحياً واجتماعياً وثقافياً مع بعضه البعض وتحقيق اهداف تحديد الاولويات الاجتماعية وتعزيز القيم والثوابت في المجتمع والتنسيق والتعاون مع المؤسسات ذات الاهداف المتماثلة.
وفيما يتعلق بالتثقيف الصحي، فإن الصحة مطلب انساني واجتماعي نسعى جميعاُ لتحقيقه افرادا و مجتمعات ودولاً، وتعد الصحة السليمة احد الاهداف الرئيسية التي تسعى المجتمعات لتحقيقها في سبيل توفير تنمية اجتماعية شاملة، وهي احدى المعايير الرئيسية التي تضعها المنظمات والهيئات الدولية لتحديد الرفاه الاجتماعي للدول والمجتمعات.
إن اهم احتياجات التثقيف الصحي هي وسائل الاعلام بوصفها اداة تعليمية يتم تسخيرها للنهوض بمستوى الصحة. وان للتلفزيون اكبر الاثر على الناس حيث انه يمتلك القوة لتحديد تصورات اي انسان على نحو ايجابي أو سلبي، كما تلعب البرامج الاذاعية دوراً هاماً في هذا الشأن.
وقد أثبتت الدراسات في بلدنا ان الناس يتابعون الامور الصحية في الصحف اولاً ثم التلفزيون ثم الاذاعات ثم المجلات الصحية.
وقد اثبتت نفس هذه الدراسات ان اهتمامات كل وسائل الاعلام تتمحور على الاخبار السياسية أولاً والاغاني والفيديو كليبات ثانياً والدعايات التجارية ثالثاً والموضة والازياء رابعاً والمطبخ والتغذية خامساً والاخبار الصحية سادساً...
اي ان التثقيف الصحي يمثل المرتبة الاخيرة في برامج هذه الوسائل.
ويمكن للمرء ان يلاحظ ذلك بكل وضوح ففي الوقت الذي يمنح الطبيب عشرين دقيقة للتحدث في التلفزيون سواء كان التلفزيون الرسمي أو القنوات الفضائية الاخرى عن امور صحية هامة يمنح بالمقابل عازف عود أو مطرب أو منسق للزهور ساعة كاملة لا يستفيد منها المجتمع شيئاً.
هذا ناهيك عن ساعات الاثير الطويلة التي تصرف للاغاني والفيديو كليبات وللافلام الطويلة وهذا ينطبق على الاذاعات والصحف حيث يمنح التثقيف الصحي هامشاً بسيطاً بالمقارنة مع غيره من الموضوعات الاخرى.
ولكي تقوم وسائل الاعلام بدورها الفاعل في عملية التوعية الصحية فأنه يجب ازالة كافة الحواجز البيروقراطية والتنظيمية التي تعترض وصول وسائل الاعلام لمصادر التثقيف الصحي كالمستشفيات والمراكز الصحية وكليات الطب والمؤتمرات الطبية ووزارة الصحة ومديرياتها المختلفة والخدمات الطبية الملكية ومنظمات الصحة العالمية والجمعيات والمنتديات الصحية .
كما ان هناك حاجة لكوادر متخصصة في نفس وسائل الاعلام لمتابعة الامور الصحية والوبائية، وصناعة برامج طبية جديدة ترتقي الى مستوى البرامج العالمية مثل البرنامج الطبي الشهير ( اطباء - Doctors ) وغيره والابتعاد عن البرامج التقليدية التي عفا عليها الزمن ومازالت تبث في قنواتنا التلفزيونية الرسمية والخاصة.
اخيراً فإن من اهم دعائم نجاح وسائل الاعلام في هذه المهمة الانسانية هو دعم وزارة الصحة وتطوع الاطباء والعاملين في حقول الصحة والتغذية.
الرأي