ما رشح من معلومات وتصريحات حول قانون الانتخاب الجديد تشير الى أن العودة الى قانون الانتخابات النيابية لعام 1989 مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليه قد يكون أحد أبرز الخيارات المطروحة في صيغة القانون الجديد. الأمر الذي قد يلبي طموح بعض المقاطعين للانتخابات وينهي مقاطعتهم وفي مقدمتهم جبهة العمل الاسلامي التي شكل رفضها لقانون الصوت الواحد ومطالبتها بقانون 1989 أحد أبرز عناوينها السياسية خلال العقد الماضي.
والسؤال هل يكفي هذا القانون للتأسيس لعملية إصلاح النظام السياسي وهل يشكل مدخلاً لإعادة بناء السلطة التشريعية وفق الثوابت الديمقراطية المستقرة التي من شأنها أن تقوي هذه السلطة وتضعها في مكانها الصحيح، وهل هذا القانون كفيل بالإسهام في خلق حياة سياسية تعددية تنافسية.
هذا القانون قد يشكل مدخلاً لإنهاء مقاطعة الحركة الاسلامية للانتخابات، ومدخلاً للوصول الى هدنة أوتوافق معها، لكنه بالقطع ليس كافياً ولا يوفر أبسط الظروف التشريعية والسياسية والقواعد اللازمة للدخول في عملية إصلاح جذرية للنظام السياسي والحياة الديمقراطية. والعودة اليه تشير بكل وضوح الى أن الإرادة السياسية ليست إرادة إصلاحية بقدر ما هي إرادة تهدف إلى إدارة الأزمة.
فمن ناحية، لا يعترف القانون بصيغته المعروفة بوجود الأحزاب كفاعل ومكون أساسي في النظام السياسي وفي العملية الإنتخابية وإن كان لا ينكر وجودها بشكل عام ، وبالتالي فإنه لن يؤدي الى توسيع قاعدة المشاركين بالعملية السياسية والديمقراطية وقيام حياة سياسية تعددية تنافسية حقيقية تحد من صيغة إنفراد تيار واحد بالقوة السياسية وبناء تعددية سياسية حقيقية. بل أن هذه الصيغة ستكرس تفرد تيار واحد بالحياة السياسية. اليس هذا الواقع قد شكل أحد أبرز عناوين أزمة النظام السياسي المتمثلة بضيق قاعدة المشاركة السياسية ؟.
ومن ناحية ثانية، لا يوفر هذا القانون القواعد الكفيلة لإعادة بناء السلطة التشريعية وتقوية مؤسستها البرلمانية، من خلال قيامها على أساس مشترك يكفل وجود مرشحي الأحزاب السياسية الى جانب مرشحي الدوائر الجغرافية ( الهياكل التقليدية ) كمكونين أساسيين، مما سيحرم البرلمان من بناء كتل برلمانية مستقرة ومتوازنة تستند الى تعددية حزبية وسياسية فاعلة تثري دوره الرقابي والتشريعي، ويحرمه مما توفره الاحزاب من تعزيز الجوانب والضوابط المؤسسية على الأداء البرلماني على حساب الاداء الفردي والبحث عن تحقيق المصالح الفردية على حساب الوظائف الأساسية، وفي مقدمتها مراقبة أداء أعضائها في البرلمان ومحاسبتهم، وتقوية مكانتهم واسنادهم، وبالتالي مكانة البرلمان في مواجهة السلطات والقوى الأخرى، وبذات الوقت حماية السلطة التنفيذية من الضغوطات الفردية للنواب مقابل مواقفهم مع الحكومات، التي تصل إلى حد المساومة على منح أو ححب الثقة، وانتشار أشكال التنفيع الفردي في أوقات الإنتخابات أو اثناء بناء المواقف إن داخل البرلمان أو خارجة. اليس ضعف السلطة التشريعية كان أيضا من العناوين البارزة في أزمة النظام السياسي ألم تتفشى ظاهرة الفساد بكافة انواعه بوجود السلطة التشريعية طيلة السنوات السابقة ؟.
أن الخروج من الحالة القائمة في البلاد والأزمة التي يواجهها النظام السياسي تتطلب العمل بافق سياسي عريض ومفتوح، يتجاوز صيغة قانون 1989 الى قانون يؤسس الى اعادة بناء حياة سياسة جديدة تقوم على وجود سلطة تشريعية قوية تستند الى تيارات سياسية تتنافس بشكل حقيقي على ادوارها السياسية داخل وخارج البرلمان ، الأمر الذي يتطلب أن يضمن اي قانون انتخاب جديد توفر مبادئ اساسية من أهمها النظام الإنتخابي المختلط الذي يجمع بين القائمة الحزبية النسبية والدوائر الجغرافية، ووجود مبدأ أساسي يشترط عضوية الحزب السياسي لقبول الترشح للبرلمان والاستمرارية في عضويته.
قانون الإنتخاب هو المحطة الرئيسية في إعادة بناء السلطة التشريعية واصلاح المؤسسة النيابية والسبيل الوحيد إلى بناء حياة سياسية جديدة تقوم على التعددية الحزبية والسياسية وعلى التنافس بينها، أي إنه يشكل أكثر من نصف عملية الاصلاح السياسي. وبالتالي فان قانون 1989 ليس عنوانا لمرحلة سياسية جديدة مدخلها الرئيسي إصلاح النظام السياسي.