إن المراقب لكثرة تعداد المراكز العلميه في الجامعات، خاصة إذا كان ذا خلفيه غربية الطابع، فإنه لن يتردد في الإعتقاد بأن الأردن قد وصل إلى أعتاب الصناعات المتطوره (Hi-Tech Industries)!!... إذ أن المراكز العلميه في جامعات الغرب وجدت أصلاً لتعزز ما تقدمه الجامعات في المنحى النظري من خلال توفير آليه عمليه لتطبيق الأفكار والإبداعات البحثيه على أرض الواقع.

إن المراكز العلميه في الجامعات الغربيه تكون عادة بمثابة اليد الطولى التي تصل هذه المعاهد العلميه (أي الجامعات) بالمؤسسات الصناعيه الإنتاجيه التي تعمل بشكل دؤوب لتحقيق تنفيذ استراتيجيات التنميه المستدامه في تلك الدول؛ وتعمل هذه المراكز في العاده على نحو مؤسسي متماسك يضمن الإستمراريه المنتجه وإن تغيرت الإدارات والشخوص على مر الأيام والسنون.

إلا أن حقيقة الأمر حول المراكز العلميه وانتشارها في جامعاتنا فهو موضوع مختلف تماماً عما ذكر أعلاه!! ففي أغلب الأحيان تؤسس مثل هذه المراكز في جامعاتنا لتحقيق مآرب شخصيه لأفراد لهم مداخل على أشخاص متنفذين في هذه المؤسسات التعليميه، أو لجماعات أجمعت على سلوك طريق ليس بالصواب يكون هدفه الوصول إلى مصادر تمويليه محليه ودوليه لسلب الأموال وتحقيق أطماع لا تنسجم وتحقيق غايات الصالح العام!! وللإنصاف فإنه يمكن للمرء هنا وضع بعض الإستثناءآت لمن رحم ربي من الناس...

أما إذا ما راقب المرء طبيعة انتشار مثل هذه المراكز العلميه في جامعات أردنيه عده وتكرارها بين جامعة وأخرى لتبين له مباشرة بأن مثل هذا الإنتشار والتكرار لن يؤدي إلا إلى تضييع الموارد الشحيحه للمؤسسات الجامعيه المعنيه وهدر المال العام في أبواب ليس فيها من التركيز على تحقيق الأهداف التنمويه من شيء!

أما إذا ما تمت مراقبة الناتج البحثي المتأتي من مثل هذه المراكز لوجدت الباحثين المنطوين تحت لوائها يعيدون صناعة العجله بطرقهم الخاصه مع بعض التعديلات عليها مما لا يسمن ولا يغني من جوع! أما بالنسبه لتنفيذ آليات تحقيق أهداف التنميه المستدامه للدوله فإن دور هذه المراكز يكاد يكون من الأحلام البعيدة المنال خاصة إذا ما أدركنا بأن العديد من مثل هذه المراكز بات يدار في الغالب من قبل مدير متملق وسكرتيره متعجرفه وفي أحيان أخرى فإنك تجد أن الجامعات المحتضنه لمثل هذه المراكز لا تخصص من الموازنات ما يسد من رمق الأمور التشغيليه ليس إلا...

وفي حالات أخرى فإنك ستجد بأن بعض المراكز حديثة التأسيس في جامعات بحد ذاتها لا يكون لها وجود فعلي في واقع الحال ومع ذلك فإن المراقب سرعان ما يلاحظ وجود مواقع إلكترونيه تعكس ما يخالط الخيال في فاعلية مثل هذه المراكز ثم يصار إلى نشر صور ومعلومات تشير إلى أعضاء هيئه تدريسيه في هذا التخصص أو ذاك ونشرها على المواقع الرسميه لجامعات معينه دون حياء من كشف للحقيقه أو خجل من الكذب المتعمد والدهلزه المشؤومه... ولو سألت أعضاء الهيئه التدريسيه آولئك لقالوا لك مسرعين بأنهم لم يستشاروا فيما وضع من بروفايلاتهم (Faculty Profiles) بل إنهم سرعان ما يحتجون على مثل هذا الأمر الذي يسيء لهم ولسمعتهم المهنيه!!!

إلا أنه لو استفسر المرء عن سبب مثل هذه الممارسات الشنيعه لوجد الإجابات وقد انغرست في تخطيط مسبق من قبل بعض الفئآت المسيئه لآيجاد آليه لتضليل الجهات الداعمه محليا ودوليا، بل إن القصد في بعض الأحيان يكون متعمداً في تضليل القياده والدوله لاستدرار التبرعات والهبات ووضع الموازنات التي يكون الهدف المبطن منها السلب والنهب وتحقيق الأسفار والرحلات الترفيهيه التي يطلقون عليها من الأسماء المهنيه ما يسلب الناس ألبابهم من أهميتها!!!

إن ما هو مطلوب من الدوله والجهات الراعيه هو التقليل من معدل تكرار مثل هذه المراكز التي باتت لا تحقق ما يذكر في الأبواب المرجوه ووضع الرقابه اللازمه على آلية عمل ما تبقى منها لكي نضمن بأن المخرجات تصب في نهاية المطاف في خدمة غايات خطط التنميه المستدامه للدوله. وكذلك فإن الجامعات مطالبه بوضع آليات إداريه لهذه المراكز تضمن العمل المؤسسي فيها والإستمراريه المنتجه ودعم روح الأبداع والشراكه التي تجعل من الباحث وطالب العلم على حد سواء عناصر منتجه في مجتمعاتنا أسوة ببقية المجتمعات الناضجه... ولا ننسى كذلك ضرورة سد رمق هذه المراكز المتبقيه بعد التقليم من الموازنات الفاعله التي يمكن ضبطها ومتابعتها ووضع آليات المحاسبه اللازمه إزاءها...