في طريقتها الروائية الممتعة كانت الحكاءة الراحلة ماهرة في استدراج تراث القص الشعبي لتوقعه في حبائل مقاصدها العميقة. ذات قص ارادت ان تلفت الانتباه الى حميمية معانيه الى نفسها، مؤكدة ان قصها باسقاطاته جميعا لا تغري السامعين في طول تأمل أو تأويل نظراَ لشدة وضوحها.
قالت وعمر السامعين يطول : ألحّت الخراف على طارق باب حظيرتها الملتبس اشهار كلمة السر لتدخله آمنة.
مُقلداً باتقان صوت نعجة ثغا الذئب لاهثاً وهو يتنكّر بفروة قائلا بحشرجة: افتحوا الباب فالذئب يطاردني والا فانكم ستموتون على يديه اذ لن يكتفي بي.استجابت الخراف مرعوبة لذكر اسم الذئب فاتحة المزلاج ليدخل الذئب المتخفي في هيئة نعجة. انتبذ مكاناً قصياً في الحظيرة ولم يقترب من الخراف التي اخذ يتفحصها واحدة تلو اخرى محدثا نفسه: بأيها ابدأ ؟! استقر رأيه على ان يستفرد بها واحدا واحدا لئلا يقع في محظور مواجهتها جميعا، فتولي الادبار فيخسر غزوته وجسارته. امتنع الذئب في يومه الاول عن الاكل، بينما ذهب في يومه الثاني يقود خرافه الى المرعى متظاهرا بأكل الاعشاب والحنو على الخراف التي ظلت قريبة منه لاهتمامه الشديد في ان تكون في اغزر بقع المرعى عشباً!
تجاسر الذئب في يومه الثالث في التكشير عن أنيابه فاسقط في يد الخراف، التي ادركت انها الى نهايتها سائرة لا محالة بين فكين اجادا التمثيل والايقاع بها، حتى غدا صاحبها لشدة غبائها قائدا في الحظيرة والمرعى والحاني الذي يوزع حنانا وعطفا.
في طريقه الى قلوبها قرّب الذئب خرافا قوية واخذ يخصها بعناية وحنو ورعي فاصبحت له عونا في وجه البقية التي استسلمت لمصيرها منتظرة لحظة موتها يائسة.
في يومه الرابع خطب الذئب بالقطيع مؤكدا انه يمكن ان يعيش معها تحت سقف واحد لكنه شدد على ان افتراقه عنها في النوع لا يحول دون قيادته لها. صال وجال مستعرضا غزواته وشدة بأسه في الغاب متغافلا عن ذكر حيوانات مفترسة تفوقه بأساً. قال انه سيعدل في المرعى ولن يبقي الا الخراف القوية ولن يفترس الا الضعيف منها والمارق. وفي ذلك كشف الذئب ان لديه خطة عاجلة ليتأكد من مدى ضعفها وضلالتها باخضاعها لسلسلة من الفحوص والاختبارات. كما حرص ان يبث الطمأنينة والاطمئنان في النفوس المرعوبة.
ظلّت الخراف صامتة واجمة لا تقوى على فعل شيء، متمنية في نفسها لو أن فحصها يجريه ابناء جلدتها. خرج من بين الخراف من هتف باسم الذئب الراعي الجديد ممجدا عدله وحرصه على الصحة العامة وحنوه عليها ونبذه للضعف والضعفاء.
خطب خروف بتزلف قائلا " الموت بين فكي راعينا الشجاع افضل الف مرة من الموت هرما". اشهر آخرون استنكارهم كل فكرة تخالف الطبيعة في طبعها وطباعها. ألحّوا انه لا اعتراض على ارادة الخالق، "فنحن خلقنا لاشباع الذئاب وافضلها حارسنا وراعينا".
من بعد، استقر الامر للذئب الذي أخذ يولم لنفسه يوميا احد خرافه فيما البقية تخلع آيات الثناء على القدر الذي ساق لها راعياً يسوقها الى الموت بنفوس راضية.
muleih@hotmail.com