اثنا عشر شهراً بالتمام والكمال أمضيتها في بيت من البلور، مَزْروع من الحافّة إلى الحافّة بورد اللطف والبساطة والود والتسامح والابتسام والإيثار وحسن الخلق والكرم والهناء ونظافة السريرة. والكثير الكثير من الدهشة أن تجد كل هذا في مكان واحد.
اثنا عشر شهراً بالتمام والكمال أمضيتها في معهد بيت الحكمة في جامعة آل البيت كأستاذ زائر، لم أشعر منذ قبل اللحظة الأولي من انضمامي إليها إلا أنني أنا صاحب الولاية، وأني صاحب الدار. المعهد من مقداده العميد، إلى هانيه المتدفق بداوة مملوءة بالحضارة، إلى ذلك الصايل في الحب والتضحية، إلى من عاهد الله على أن يكون صاحب الحرز ، إلى أمينه المملوء بالعزم، إلى العالي الذي شرع اللواء ليحضن كل الناس، إلى الذي زحف إلى اسم الله السلام فتعبد به، إلى من وضعت رأسها ساجدة لله شكراً على مَنّه وعطاءه، إلى من أخذ من أجمل الأسماء فكان أباً للشرف وللأشرف، إلى ذلك السلطان بأخلاقه، إلى الفاضلة التي سكنت الحمد فكالت منه أحمده، وهؤلاء كلهم مصنوعون على قدر كبير من لطف الله ورعايته. لذلك لا تجد نفسك، إن جئتهم من خارج الفلك، إلا أنك قد وقعت في كفيّ الرعاية والحماية والأمن والمحبة والرحب والسعة، إلى هؤلاء جميعاً كل المحبه.
اثنا عشر شهراً كاملة من بداية النهار إلى مطلع الفجر الأخير، مرّت دون أن أدري كيف مرّت، كنت عندما أدير وجه مركبتي اتجاه المفرق أحس أن عليّ أن أسابق الريح، لذلك سُجّلت علي عشر مخالفات كلها وأنا ذاهب إلى آل البيت.
معهد بيت الحكمة بالفعل هو بيت للحكمة، إذ تراه يتقلب فيها من زاوية إلى أخرى. لم أشهد فيه مشكلة، ولو عرضية، بين أعضاء هيئة التدريس، وأكثر من ذلك، فإن هناك علاقة أبّوة بين هؤلاء وبين طلابهم. تراهم يستمعون إلى شكواهم حتى لو كانت بسيطة. وإن كان الطالب مخطئاً، تراهم ينيرون له الدرب، ويرشدونه إلى جادة الصواب. فكل طالب هو ابن لهذا الأستاذ أو ذاك. بل أحياناً يجد الطالب حناناً وحرصاً أكثر، ربما، مما يجده في أي مكان آخر.
هناك فعلاً تشعر بأن عليك أن تكون كريماً أكثر من الطبيعي، وملتزماً أكثر من اللازم. حتى جلساتهم الرسمية في الاجتماعات ترى المواضيع تطرح بكل موضوعية وعلمية، لا يوفر أي واحد منهم جهداً أو فرصة إلا ويفعله، وإلا يغتنمها في سبيل إعطاء المعلومة للطالب، وكل الهم مصبوب على أن يكون المعهد بالفعل بيتاً للحكمة والعدل والأمانة العلمية والصدق في المشاعر وفي العمل.
شكراً لجامعة آل البيت ممثلة برئيسها وبمن حوله، وبمعهد بيت الحكمة، سائلاً المولى أن يعطيهم من التوفيق ما يجعلهم حريصين على الاستمرار في العطاء، وفي خدمة هذا البلد الذي يستحق منا كل تضحية وولاء وحرص. وبوركت آل البيت، وبورك زيتونها وهواؤها وغبارها المملوء بالطهارة والنخوة، وبوركت شوارعها القائمة على الخير والأمن والأمان، وبوركت اللحظة التي قررت فيها أن أتقدم لقضاء سنة تفرغي العلمي في آل البيت. والله الموفق وهو المستعان.