سيعرف الأردنيون أن المعركة مع الفساد هي نفسها المعركة من اجل الديمقراطية وسلطة الشعب والحريات. وقضية الفوسفات تردّ على الذين يتبجحون باستطلاعات رأي تقول أن الناس تريد الخبز وليس الإصلاح السياسي، فالفساد والإثراء غير المشروع قرين لبؤس الأغلبية وإفقار الدولة والناس ولن ننتصر عليه في غياب الديمقراطية وسلطة الرقابة والمساءلة
ولولا مناخات الربيع العربي وانتفاضة الشعوب من اجل الديمقراطية لما أمكن ابدا الاقتراب من العديد من الملفات التي ستتكشف عن قصّص فساد، وسيتأكد أن تقييد الديمقراطية وانتشار الفساد وجهان لعملة واحدة وقد بقينا في الأردن بعد عشرين عام من الديمقراطية أمام قلاع وأبراج عاجية لا يمكن الاقتراب منها وخطوط الحمراء تحمي النفوذ المنفلت من كل رقابة ومحاسبة، ووراء هذه الخطوط أنجزت كل صفقات التجاوز ونهب المال العام.
أخيرا أمكن إعادة فتح ملف الفوسفات ونحن أمام لحظة مفصلية وموقعة حاسمة تؤسس للمستقبل فالوصول إلى الحقيقة كاملة بشأن خصخصة هذه المؤسسة سيعطي المثل والقدوة ويفتح الأبواب كلها فلا تبقى قضيّة أو ملف مغلق على المحاسبة ولا يبقى شخص فوق المساءلة. قبل 6 سنوات فقط تمت صفقة بيع حصّة الحكومة من أسهم الفوسفات حيث ألقيت كل العروض الشرعية جانبا بما في ذلك فكرة الشريك الاستراتيجي المؤهل ووقعت الصفقة نظريا مع صندوق بروناي وعمليا مع رجل مجهول يمثل شركة وهمية مسجلة وراء البحار برأسمال تافه، وتمّ توقيع عقد احتكار مؤبد بشروط مجحفة جدا في مخالفة للدستور الذي يوجب موافقة البرلمان.وهذا فقط بداية الكارثة التي حولت الفوسفات إلى إمبراطورية خاصّة تحت اسم شركة مساهمة عامّة.
والشركة تدار بطريقة تجعلها مجرد قبعة لمقاولين فرعيين لكل شيء ابتداء من الحفر والتجريف مرورا بالنقل وانتهاء بالتسويق الخارجي. وحرمت الدولة من عائدات ضخمة فلم يكن يعود لها سوى الفتات من رسوم الاستخراج والتعدين. ونخشى الآن من التصرف بالشركة بطريقة تقود إلى إفلاسها وتحميل المسؤولية للعاصفة الدائرة حولها. وكما نعلم فاللجنة النيابية يقتصر عملها على التحقيق في صفقة الخصخصة، بينما تحقق هيئة مكافحة الفساد في عمل الشركة بعد الخصخصة وقد يكون ضروريا أن تقرر الهيئة فورا توصية بعزل مجلس الإدارة وتعيين لجنة إدارة مؤقتة تدقق على جميع الملفات وتحميها من العبث.
في الحقيقة لم تتأخر عن الظهور حملة معاكسة وقرأنا تحقيقا مدعما بالصور الوثائق دفاعا عن الشركة والخصخصة، لكن اللجنة النيابية لم تلتفت لها وهي واثقة جدا من عملها ومصممة على الصمود أمام أي ضغوط والعمل لتقديم الحقيقة كاملة للشعب الأردني، مسلحة بإرادة ملكية حاسمة مفادها أن لا أحد فوق المحاسبة والمساءلة مهما علا شأنه. فما ينقذ الأردن ومستقبله هو الحقيقة فقط في كل الملفات التي تحيطها الشبهات.(الغد)