ثورة الكرك 1910 أبرز حركة تحررية في فجر النهضة العربية
13-02-2012 11:09 AM
عمون - محمد الخوالدة - تعد ثورة الكرك ضد الحكم العثماني في العام 1910 احدى الثورات المجيدة التي حدثت في فجر النهضة العربية، وقد انبرى الكثير من المؤرخين والباحثين للحديث عن هذه الثورة، لكن الدراسة التي اعدها الباحثان د.نوفان رجا السواريه ود.محمد سالم الطراونة عن هذه الثورة اسهمت من خلال ما اعتمدته من وثائق في تغيير الصورة المتداولة عن تلك الثورة، بل واضافت هذه الوثائق معلومات جديدة، وصححت كثيراً من المعلومات الواردة في المصادر التقليدية من روايات ومذكرات وصحف والتي تناولت الحديث عن مجريات تلك الثورة ومنطلقاتها وحيثياتها.
الوثائق التي استند اليها الباحثان السوارية والطراونة بينت أن عشائر الكرك التي قامت بالثورة كانت في الاساس موالية للدولة العثمانية وانها ايدت في بداية الأمر الاصلاحات التي اقرتها هذه الدولة والمتعلقة باجراء تعداد سكاني وتحرير النفوس والتجنيد.
لكنها -أي العشائر- ادركت لاحقا النتيجة السلبية لهذه الاصلاحات وما رافقها من ظلم واذى واذلال لهم فبدأت بالتذمر وبمحاولة التخلص من الاصلاحات والقائمين عليها، وبدت هذه العشائر اكثر تصميما على الثورة ضد العثمانيين بعد ما وصلهم من اخبار تبين ما ارتكبته الدولة العثمانية من فظائع باهل حوران من الدروز.
ويؤكد الباحثان أن من الاصح تسمية ما حصل في الكرك بالثورة وليس بـ"الهية" كما يسميها البعض، ذلك لانه خطط لهذه الثورة باحكام سواء من رص صفوف العشائر الكركية، او من حيث التواصل بين هذه العشائر وغيرها من العشائر الاردنية من العقبة جنوبا لتشمل عشائر بني حميدة والكعابنة والسلايطة شمالا، ومن سكة الحديد شرقا وحتى غورالصافي غربا، فيما اتفقت هذه العشائر على تسمية قائد للثورة ومجلس لها، فكان القائد قدر المجالي وله مجلس يقدم له النصح والمشورة، ويبدو أن الخطوات التي مرت على الاعداد للثورة كانت في جو محكم من الكتمان والسرية الأمر الذي فاجأ واذهل السلطات العثمانية لانها لم تكن مستعدة لمواجهتها.
ألحقت الثورة خرابا ودمارا هائلا في الكرك لكنه اقتصر في معظمه على المصالح الحكومية التي حرقت ونهبت سجلاتها ووثائقها ما اعتبرته الدولة العثمانية خسارة لا تقدر بثمن، اما الدمارالاكبر فحل بالكرك عند قيام الدولة باخماد الثورة فقد عملت القوات العثمانية على هدم المباني وحرق المحاصيل، ما جعل الناس مهيَّئين للانضواء تحت راية الثورة العربية الكبرى فيما بعد.
وقد اعتبر الباحث والمؤرخ منير الريس في كتابه "الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي "أن ثورة اهل الكرك في العام 1910 هي بحق احدى الثورات المجيدة في فجر النهضة العربية.
مجريات الثورة:
بدأت الثورة على شكل عصيان مدني واعتداء ونهب للمصالح العامة والخاصة ومناوشات متفرقة في مناطق مختلفة بين العشائر والحاميات العثمانية، فيما قتل الثوار اعضاء اللجان الحكومية المكلفة اجراء التعداد وقيد النفوس، ثم تصاعدت الامور فاقتحم الثوار دار الحكومة في الكرك والواقعة في اعلى الجهة الجنوبية من المدينة والقريبة من القلعة وقتلوا من فيها من جنود ونهبوا مقتنياتها، وكسروا صنادق المال واستولوا على محتوياتها من النقود واحرقوا السجلات والوثائق الرسمية، الأمر الذي دفع حامية القلعة إلى قصف دار الحكومة بالمدفعية فحدثت حالة من الارباك تمكن من خلالها موظفو الدار من الهروب والاحتماء بالقلعة، فيما امكن دحر الثوار إلى منتصف المدينة، ثم نشبت معركة دامية بالرصاص بين الثوار والجنود العثمانيين قتل وجرح فيها الكثير من الطرفين، فعاد الثوار واستولوا على دار الحكومة فتكاثر عددهم وتمكنوا من السيطرة على مدينة الكرك بشكل كامل فنهبوا بيوت موظفي الحكومة الذين تمكنوا من الفرار واحرقوها، ثم قاموا بمهاجمة المحال التجارية في المدينة واكثرها لتجار من الدمشقيين او الخلايلة ونهبوها ولم يسلم منهم حتى التجار الكركيون.
واشتد الحصار على القلعة ما خشي معه قائد الحامية نفاد القوت والماء مما الزمهم بتقنينها على المحاصرين، حيث تصادف في هذه الاثناء عيد الاضحى فالتزم الطرفان بالهدنة طيلة ايام العيد، عاد بعضها تبادل اطلاق النار بين الطرفين، ومما زاد الامور صعوبة أن ذلك كله تزامن مع برد قارس وثلوج كثيقة، فاستمر حصار القلعة الذي لم تكن القلعة مهيأة له لمدة عشرة ايام، فيما كان نطاق الثورة قد اتسع ليشمل مناطق خارج الكرك في العقبة ومعان، ترافق ذلك مع عدم كفاية "الجندرمه"، فحوصرت الحاميات العثمانية في العقبة وبعض مناطق معان والقطرانه فنهب الثوار وخربوا الممتلكات العامة والخاصة .
اخماد الثورة:
استدعى الأمر تاليا وبعد أن وصلت الامور مرحلة خطرة ارسال قوات عسكرية عثمانية كبيرة مكونة من ستة طوابير مشاة لقمع الثورة واخمادها والحيلولة دون امتداها لبقية المناطق، توجهت هذه القوات إلى الكرك وعسكرت على مشارف المدينة الشرقية المطلة على القلعة فوصل الخبر إلى المحاصرين في القلعة بوصول المدد اليهم لفك الحصار عنهم، وفي هذا الوقت بدا الثوار بالانسحاب من المدينة بعد أن ادركوا انهم امام جيش لا قبل لهم به، دخلت القوات العثمانية المدينة خالية من سكانها الذين هجروها خشية البطش بهم، لكن هذه القوت مارست البطش والتنكيل وحرق وتهديم المنازل وسلب محتوياتها انتقاما من اهله، ولم يسلم من اذاهم حتى من استسلموا لهم من الناس فقاموا بقتلهم، كما طاردت الثوار الذين فروا من المدينة وقتلت الكثيرين منهم، واستمرت حملة تطهير المدينة وفق الباحث والمؤرخ منير الريس مدة اربعة ايام، ثم اصدر قائد القوات التي دخلت المدينة بيانا طلب فيه إلى اهالي المدينة العودة إلى مدينتهم شريطة تسليم ما نهبوه من دار الحكومة وبيوت الموظفين، فعاد بعض اهالي المدينة اليها حتى أن بعضهم قدم ما لديه من اغنام لقائد الحملة لكن ذلك لم يشفع للكثيرين الذي قتلهم قائد الحملة دون محاكمة، في ذات الوقت ارسلت قوات كبيرة إلى بقية المناطق المتمردة لاسكات ومحاسبة المتمردين فيها.
وبين الباحثان السوارية والطراونه أن خسائر الدولة العثمانية جراء الثورة بلغت 150 قتيلا، اما الاموال التي نهبت فقدرت قيمتها بـ282 الف قرش اضافة إلى مبلغ52 الف قرش اوراق مالية، اضافة إلى الخسائر التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة.
اسهمت الثورة فيما بعد في تغيير تعامل الدولة العثمانية مع الاهالي وعملت على تدارك الاخطاء التي ثاروا من اجلها، لكن هذا لم يمنع من اجراء التحقيقات مع المشاركين في الثورة فوجهت التهم لزهاء 1047 شخصا، ثبتت التهمة بحق 110 منهم، فيما حكم غيابيا على 560 شخصا، وقد تم تحويل المحكومين إلى سجن القلعة في دمشق، حيث اعدم 22 شخصا منم خمسة منهم اعدموا في ساحة الاتحاد بدمشق وهم:
الشيخ علي سليمان اللوانسه والشيخ درويش بن خليل الجعافرة والشيخ ساهر بن محمد المعايطة والشيخ منصور بن ابراهيم الذنيبات والشيخ خليل بن هلال الذنيبات.
اما الباقون فقد اعيدوا إلى الكرك واعدموا في ساحة المسجد الحميدي امام الاهالي وهم :
الشيخ محمد البحري البصراوي والشيخ ذياب بن حمود الجلامدة والشيخ عاتق بن طه الطراونه والشيخ فجيج بن طاعة الطراونه والشيخ منصور بن طريف والشيخ سليمان البطوش والشيخ عبدالغني البطوش والشيخ صحن بن فارس المجالي والشيخ عبد القادر المجالي والشيخ درويش المجالي والشيخ محمود بن طه الضمور والشيخ محمد بن علي الطراونه والشيخ حسين بن اعوض الطراونه والشيخ محمود بن اسماعيل القطاونه والشيخ معمرالمعايطة والشيخ سالم الصرايرة والشيخ حسن بن عليان النعيمات.
اما الذين حكموا غيابيا وتم تتبعهم فهم :الشيخ قدر المجالي والذي ظل مختفيا إلى أن اعلنت الدولة العفو عنه عام 1911بعد أن اعلنت ايطاليا الحرب على الدولة العثمانية.
وهناك 85 شخصا حكم عليهم بالسجن لمدد مختلفة بعضهم من المناطق التي شهدت عصيانا واعمال عنف في غير الكرك وهم سالم اسماعيل البواليز وعطالله سالم المصري وسليمان بن ارحيل المصري ومحمد القطاونه وحامد بن محمود الصعوب وعيد بن سليم السبايلة وعبدربه علي المرايات وعبدالقادر مروح البداينة وسعيد بن عنز بن العلي ومحمد يعقوب القويدر وفلاح جعفر الخطبا وسالم بن محمد الشرفا وسالم بن ذياب الطراونه وداود بن فليحان المبيضين وواعبد بن سليمان الذنيبات وكريم بن فارس المجالي وعزام بن حسين العشيبات وسليمان بن جدوع الصرايرة وموسى بن حامد الحميد وسليمان بن سلامة الخليفات وزامل بن حسين الرواحنه وسلامه بن سليمان القمص واحمد بن ذياب المبيضين وموسى بن درويش الخليل ومحمد بن جمعة المبيضين وعيد بن ضيف الله الضمور وعواد بن مهاوش الصرايرة ونافع بن دخل الله الطراونه وابراهيم القطاونه واحمد بن حسين المجالي وسليم بن مفلح الحباشنه وعبد ربه الهنداي وسليمان بن موسى الحباشنه وسلامه بن ابراهي الصرايرة وبرهم الغوري وحامد بن علي الكفاوين هلال بن عبيد سالم الذنيبات وعبدالغني بن اسعد المجالي وسليمان بن احمد المجالي وداود بن محمد المجالي وسليم بن ربيع الحباشنه وعواد احمد القطاونه وابراهيم داود المعايطة والشيخ رشيد بن حلفا ابو علي. ومعزي رشيد الغيشان وسالم بن ذياب الصعوب وابراهيم بن مشوح النوايسه وعبدالله يوسف النوايسه واحمد بن سليمان الصعوب وسليمان بن اشتيوي القحص وزين ابن اطلس وعوده اسماعيل القطاطشه ومحمود بن موسى الشباطات وهلال بن جاسم وعيسى بن ربيع البداينة وابراهيم بن عبدالله الجرادين وسالم بن عوده الطويلع وعودة الله سلامه الحيصه ومصطفى بن دخل الله محمد بن صبح وسعد الدين ابو سليمان ومبارك سليمان الجماعين وعبدالله بن عبدالله المعايطة واحمد بن ذياب ومشافق بن عيسى المجالي وعبد بن عليان الصويص وارشيد بن علي ابوخلف وحمود الاغوات ووعليان بن درويش الخليلي وعيد بن مطلق النايسه وبدربن زعل المجالي وهايل بن خليل المجالي ونايف بن خليل المجالي وفلاح بن سليمان المجالي وعبدالله بن خلف المجالي وعايد بن مهاوش الصعوب وعطا الله بن عواد الطراونه وعيسى بن ذياب العبد وزعل بن سالم المجالي وسليمان بن علي الزغايبه وعلي بن محمد مرايات.