الملكية الدستورية والقفز في الفراغ
باتر محمد وردم
13-02-2012 02:08 AM
قبل سنتين تقريبا من بدء الحراك الشعبي الأردني، طرحت مجموعة من السياسيين الأردنيين فكرة “الملكية الدستورية” كخيار طويل الأمد لنظام الحكم في الأردن، وذلك أسوة بالدميقراطيات الملكية الدستورية وخاصة في أوروبا الغربية. المقترح الذي تشارك في وضعه سياسيون من الاتجاهات الإسلامية والليبرالية معا حظى برفض واضح من كافة القوى السياسية في ذلك الوقت وحتى من قبل جماعة/حزب الأخوان المسلمين التي نأت بنفسها عن مقترح القيادي الإسلامي، مبدية ايضا انتقادها لكون الفكرة طرحت في معهد دراسات أميركي, حتى لو كان مستقلا.
فكرة الملكية الدستورية عادت في أجواء الحراك الشعبي، وتبنتها مجموعات من الشخصيات السياسية المعارضة، ومؤخرا بدأت تظهر في بيانات ذات طابع محلي مناطقي/عشائري، ولا زالت تسبب نفس المستوى من الجدل الذي رافق الفكرة في طرحها الأول ولكن ضمن مناخ أوسع من حيث حرية التعبير. في المقابل هنالك اتفاق بين معظم القوى النشطة في الحراك الشعبي على ضرورة الانتقال نحو حكومات برلمانية بالسرعة الممكنة وهذا أيضا هو نفس التوجه الذي أكده الملك عبد الله الثاني والذي كرر الدعوة إلى الحكومات البرلمانية بعد انتخابات نيابية جديدة قبل نهاية العام الحالي.
مشكلة من يطرح الملكية الدستورية في هذا الوقت أنهم يقفزون في فراغ واضح يتمثل في غياب تجربة الحكومات البرلمانية منذ العام 1956 وغياب التقاليد والواقع الحزبي الذي يمكن أن يشكل حكومات حزبية ذات قدرة على تحمل مسؤوليات كاملة في إدارة الدولة. ما يزيد الامور غموضا يتمثل في العناصر السياسية الخارجية التي تؤثر على الدولة الأردنية وتجعل من مطلب الانتقال السريع إلى الملكية الدستورية بمثابة عملية انتحارية أن جاز التعبير، وخاصة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني وعدم حسم الدولة الفلسطينية المستقلة والوضع المشتعل في سوريا المفتوح على كافة الاحتمالات.
بات من المؤكد أن الأردن يجب أن ينتقل سريعا إلى مرحلة الحكومات البرلمانية ولكن هذا يحتاج إلى بنية تشريعية ومؤسسية مختلفة عما هو قائم الآن، وخاصة في قانون انتخاب يعكس أكبر قدر من العدالة الاجتماعية والسياسية وكذلك وجود أحزاب قوية ذات امتدادات وقواعد شعبية وذات برامج متكاملة تستطيع تحمل مسؤولية إدارة الدولة. لا يمكن القفز إلى الملكية الدستورية بدون المرور ولعدة سنوات في تجربة الحكومات البرلمانية .
لو فرضنا أن الانتخابات النيابية “النزيهة” أقيمت في نهاية العام الحالي وضمن الأوضاع الحزبية القائمة فمن شبه المؤكد أن الائتلاف الذي سيشكل الحكومة سيعتمد على تحالف الإسلاميين مع قوى مساندة تستطيع تجاوز حاجز الأغلبية البرلمانية وقد يكون من بينها بعض الأحزاب الجديدة ذات المرونة السياسية القابلة للتحالف مع التيار الإسلامي. هذا سيشكل بدوره تجربة فريدة في الحياة السياسية الأردنية ولا بد من خوضها بالكثير من الحذر والترقب مع توفر ضمانات دستورية تتمثل في صلاحيات الملك في قرارات الحرب وبعض القضايا الحساسة الأخرى. وكلما أثبتت التجربة نجاحا يمكن الانتقال خطوة نحو مرحلة أكثر تطورا ولكن المطالبة بالملكية الدستورية في هذه الظروف وبدون تجربة سياسية في الحكومات البرلمانية وبدون قاعدة حزبية حقيقية هو قفز في الفراغ يهدد استقرار البلاد.
batirw@yahoo.com
الدستور