نخشى أن نكون عائدين عن طريق الديمقراطية، دون أن نعلن الأمر، ونخشى أن نكون نحثّ الخُطى نحو مرحلة أشبه بالعهد العرفي، دون نعلم، وفوق هذا كلّه، فنحن نخشى أنّ تعود مؤسساتنا مزارع يظنّ مدراؤها أنّها صارت ملكاً لهم، أمّا الموظفون فمجرّد عمّال مياومة لا حقوق لهمّ، إلاّ ما قرّره الإقطاعيون.
وأنا أكتب اليوم عن قضيّة الزميل باسل العكور، الذي فُصل من التلفزيون الأردني تعسّفياً، وبعملية هي أشبه ما تكون بالمصيدة، حيث النيّة المسبقة، والقصد المبيّت، وكما قُلت لباسل أكتب أنّ المؤسسة هي التي ستخسره، لا العكس، ولكنّنا بالتالي سنكون الخاسرين جميعاً حين يُبعد أصحاب الموهبة، ويُقرّب عديمو المهنية كثيرو التملّق، فاقدو القدرة على الإبداع.
فباسل ليس موظفاً عادياً، ويشهد له برنامج "يحدث اليوم" على تفوّقه المهني، ولهذا أُبعد عنه، وكذلك برنامج "السادسة والنصف" ، أمّا برنامج "بصراحة مع الوكيل" على عمّان إف إم فهو من أفكاره وتنفيذه، ولا ننسى التغطيات المباشرة على التلفزيون الأردني، وخصوصاً تفجيرات الفنادق التي تسيّد فيها تلفزيوننا الفضائيات، ونقلت عنه كبرياتها ليظهر شعارها لأوّل مر على ال"سي إن إن" والجزيرة وغيرها.
وباسل ثاني إثنين قُدّر لهما أن يؤسّسا أهمّ موقع إلكتروني إخباري أردني، الموقع هو "عمون" والمؤسس الأول سمير الحياري، وإلى ذلك فصاحبنا ناشط في قضيّة حرية الصحافة، وحين أردنا أن نفتتح مؤتمراً دولياً يتعلق بحرية التعبير في العالم العربي، لم نجد أكفأ منه للحديث، ومن ردود الفعل على كلامه من عشرات الزملاء العرب والأجانب عرفنا أنّ الصواب لم يجافينا.
وكان الأجدر بمؤسستنا، التي ينبغي أن لا تُدار بقرارات فردية، وشخصية، أن تستثمر قدرات الزميل، لا أن تبعده عنها وكأنّه شرّ رجيم، والغريب، المريب، أنّنا نأتي بطوني وهيفا من لبنان، وزيزي وعبده من مصر، وآخرين من هنا وهناك، ونتخلى عن مبدعينا لمجرد إنّهم مبدعون، وقادرون على التجديد ووضع الشاشة الأردنية على الخريطة.
باسل لن يموت من الجوع، إذا ذلك هو المُراد، وهو لن يُعدم وسيلة للعمل في شاشة أخرى، إذا كان القصد تغييبه، ولكنّ ما يحزّ في النفس أنّ الطلقة باتت تأتي دائماً من مسدس صديق، وسيظلّ تساؤلنا قائماً: متى يا ناس ستحكمنا معايير العدالة والشفافية والنزاهة والديمقراطية، ومصلحة البلاد والعباد، لا المصالح الضيقة، الظالمة، الشخصية؟
basem@nol.com.jo