لم تكن هيلاري كلينتون تطلق مجرد كلام عندما اعلنت, في مجلس الامن, الحرب الاهلية في سورية, ليردد بعدها جميع الاتباع من شقر وسمر اقرار الخطوة نفسها. كان هؤلاء يتوقعون الفيتو, ويعدون العدة لما بعده : تفعيل الاقتتال الداخلي. والهدف ثنائي: تدمير الدولة بتدمير مؤسساتها واولها العسكرية والامنية, وتدمير النسيج الاجتماعي, عودة بالبلاد الى ما قبل الاثنين : المجتمع والدولة.
لذلك لم يكن ارتجالا ما اعلنه ساركوزي في اليوم التالي: تأسيس مجموعة اصدقاء سورية, وليضاف الى التسمية اليوم كلمة : الديمقراطية. بالتزامن مع تصريح الرئيس الامريكي باراك اوباما ان اسقاط النظام السوري هو مصلحة امريكية.بعد ان سبقه نتنياهو بالقول ان ذلك مصلحة اسرائيلية.
اذا ما هي الخطوات التالية?
لعل الحملات الاعلامية الاوروبية تؤشر الى الكثير من هذه الخطوات التي تختصر حاليا في ثلاث : تبرير التدخل الانساني, تبرير علنية تسليح المتمردين واقحام الدول المجاورة في الخطوتين.
ففي الاولى نجد الصحف الفرنسية مثلا, ترقص على ايقاع طبلة واحدة, لا فرق بين يمين او يسار, حول ثلاثة محاور: نقص المواد الغذائية, عدم توفر امكانيات العلاج, اما لعدم توفر المستشفيات واما لعدم توفر الادوية واما لعدم امكانية الوصول اليها بادعاء ان النظام يقتل المعارضين الذين يذهبون الى المستشفى. والثالثة هي الكارثة الانسانية المؤكدة. والهدف واضح ومعلن : التدخل الانساني, هذا العنوان الذي ارتبط ببرنار كوشنير (الوزير الفرنسي الذي لا يخفي صهيونيته) والذي استعمل, في كل منطقة من العالم حصل فيها, كمسرب للتجسس والاختراق وتحضير الطريق للعمليات العسكرية. وهذا ما سال فيه الحبر الكثير من الباحثين والنشطاء والسياسيين الفرنسيين الشرفاء انفسهم. منذ ان كانت ابرز الامثلة على ذلك, الدور الذي اداه هذا التدخل "الانساني" في افريقيا, حتى غدا تعبير " الممرات الانسانية" يستعمل بسخرية مرة من قبل الكثيرين في الغرب نفسه. دون ان يمنع ذلك انطلاء الامر على العامة, اما لجهل, واما لتجذر سيكولوجية استعمارية تريد ان تجد مبررا لميولها, وهذا ما يفسر النسبة العالية من مؤيدي التدخل العسكري في سورية في اخر استطلاعات الرأي الفرنسية.
ولا ننسى ان خطة التدخل في ليبيا التي وضعها البنتاغون وصدقها الرئيس ونشرتها مجلة لوموند ديبلوماتيك في عددها الصادر في الاول من اذار 2011 تمثلت بثلاث مراحل : ممرات انسانية, حظر جوي, ثم تدخل بري.
غير ان التدخل الانساني يحتاج اضافة الى نار الصورة في الداخل, صورة مخيمات اللجوء في الدول المجاورة وهذا ما يتم العمل الحثيث حوله منذ بداية الازمة, وتحديدا منذ جسر الشغور, بمبادرة من قبل تركيا وبضغوط على الدول الاخرى. عمل يعتمد اما على التخويف والترغيب ( وهو سهل في ظل الظروف القائمة ) واما على النشطاء الذين يتحركون وفي حقائبهم اكداس الدولارات لاقناع العمال السوريين الموجودين في هذه الدول بالتجمع في هذه المخيمات - المعسكرات.
اما التسليح, فقد اثار الاعلام الغربي, وخاصة الفرنسي ضجة حول مؤتمر مزعوم عقدته المعارضة في مكان قريب من دمشق - حسب قول الصحف- ليناشدو الغرب تزويدهم بالسلاح للدفاع عن النفس.
وبما ان مقومات التدمير لا تكتمل الا باذكاء نار الفئويات التي تنتهي الى تدمير النسيج الاجتماعي للدولة, فان الشحن المذهبي والطائفي يتصاعد اكثر فاكثر, وهنا يبدو ان فئات لبنانية قد جهّزت لهذا الشحن بدليل المظاهرات التي ظهرت للمرة الاولى في صيدا وفي الشمال يوم الجمعة, تحت الاعلام السوداء و شعار "ولاية لبنان", وبقيادة نائب يمثل تيار المستقبل في وادي خالد, ما ادى الى اشتبكات عسكرية استدعت تدخل الجيش. هذا في حين تنشر الصحف الفرنسية, على سبيل المثال, خريطة لحمص, وقد قسمت عليها احياؤها وكتب عليها الى جانب اسم كل حي: سني, علوي, مسيحي.
تدمير الدولة والنسيج الاجتماعي تلا الاحتلال في العراق ولكنه سبق الاحتلال ومهد له في لبنان. وهو مطلب غربي - اسرائيلي في كل الدول العربية التي تلتقي فيها المصالح الامريكية- الغربية مع المصالح الاسرائيلية, خاصة التي يتمثل جوهر الصراع في كونها: سورية الكبرى او اسرائيل الكبرى. تلك الممتدة من الفرات الى النيل, والتي رأى كثيرمن حكماء الصهيونية ان تهويدها يمكن ان يتم بغير الاحتلال الاسرائيلي المباشر... بالهيمنة.
العرب اليوم